كل شيء مباح سداح مداح

  • 1/31/2019
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

في جميع الدول العربية تستطيع أن تنشر إعلاناً عبر التلفزيون أو الصحف عن أي سلعة تريد الترويج لها من دون رقيب أو حسيب، طالما أنك لا تستخدم فيها الصور الجنسية الصريحة أو تسيء إلى المعتقدات الدينية أو تستخف بها، وتستطيع -مثلا- أن تقول في الإعلان إنك تملك خلطة تطلق عليها اسم «ريوس» أو «ريفيرس»، وتزعم أنها تطرح من عمر من يستخدمها عشرين سنة، غير شاملة للإجازات والعطل العامة، وتطالعني في عشرات المطبوعات والإصدارات إعلانات من ذلك القبيل، ومعظمها يبدأ بالزعم بوجود مستحضر يعالج العجز الجنسي، وبداهة فإنه أمر مثير للريبة أن تكون هناك خمس أو عشر جهات كل واحدة منها تبيع خلطة خاصة بها تؤدي إلى النتيجة نفسها، ومنذ ظهور الفياجرا راجت الإعلانات عن المنشطات والمحفزات الجنسية حتى لتحسب أن العجز الجنسي متفش وبائياً بيننا، أو أنه لا شاغل لنا سوى قدرات الرجال الجنسية، وأن الرجال والرياييل والزلمات الذين نراهم هنا وهناك بشوارب مفتولة «أي كلام». وأمامي الآن بضعة إعلانات من بقالات عشبية تطلق على نفسها مسميات توحي بأنها جهات طبية معترف بها، وتزعم أربعة منها أنها تملك «كريماً لتبييض البشرة من مرة واحدة»: يعني أبو الجعافر يشتري ذلك الكريم ويمسح به جسمه مرة واحدة فيصبح مثل مايكل جاكسون، ببشرة فاتحة ولكن بملامح إفريقية فيضطر إلى إجراء جراحة على الأنف حتى يخفف من تلك الملامح!! وهناك خميرة لتكبير الوجه وتحمير الخدود!! أولاً: لماذا يسعى إنسان عاقل إلى تكبير وجهه؟ وما كم النسبة التي سيكبر بها وجهي إذا استخدمت تلك الخميرة؟ هل سيكبر على نحو متناسق أم ان الخد الأيمن مثلا سيكون أكثر امتلاء من الأيسر؟ وما المقصود بتحمير الخدود؟ هل المسألة فيها زيت وبصل، أم المقصود هو جعل الخدود حمراء؟ وهب أن تلك الخميرة تجعل الخد بالفعل أحمر اللون، ما المكسب من وراء ذلك؟ وهل إذا استخدمت أنا جعفر عباس السوداني تلك الخميرة ستصبح خدودي حمراء؟ طيب ماذا أفعل ببقية وجهي؟ ثم إن الخدود الحمراء فيما قيل لنا هي علامة الخجل، فهل الخجل صفة جمالية أم خصلة جميلة؟ وهل يعرف مروجو تلك السلعة أن الخجل غير الحياء؟ وهل سمعت بالبودرة الخاصة بتبيض الأسنان؟ هذه لا بأس بها، فالأسنان البيضاء جميلة ودليل عافية، ولكن تلك البودرة -بحسب ما يقول الإعلان الخاص بها- تؤدي إلى احمرار اللثة!! إحمرار الخدود، وعرفناه! ولكن أن يكون احمرار اللثة ذا قيمة جمالية فهذا دليل إصابة صاحب الإعلان بخلل في الغدد الذوقية!! فاللثة ليست جميلة سواء كانت حمراء أو كحلية، وفي معظم الأحوال فإنك لا ترى لثة شخص آخر ما لم يتثاءب أو يفتح فمه بطريقة مقززة أثناء الأكل، وعلى حبي للشعر، وعلى كثرة شعر الغزل فإنني لم أقرأ سطراً واحداً لشاعر يتغزل بلثة الحبيبة، لأن اللثة عند جميع الناس تشبه شارعاً مسفلتاً أهملت السلطات أمره لعدم إقامة مسؤول رفيع على امتداده فامتلأ بالمطبات والحُفر. قرأت في صحف الخرطوم إعلانا عن محل لـ«الرُّقية الفلسطينية»، وكان إعلانا مدفوع الأجر مما أكد لي أن من نشره يتقاضى أجرا نظير الرقية، وكتبت عدة مقالات كان السؤال الرئيسي فيها: هل تكون الرقية الفلسطينية بآيات من قرآن غير الذي نتلوه نحن عامة وخاصة المسلمين أم بنفس الآيات المتعارف عليها في الرقية الشرعية ولكن صاحب الإعلان يريد الإيحاء بأن الترقي عند فلسطيني يأتي بنتائج «مضمونة»، باعتبار أن الفلسطيني مظلوم وليس بين دعوة المظلوم والسماء حجاب؟ والشاهد أن باعة الوهم يسوقون بضاعتهم بلا رقيب أو رادع، ويزعمون أن خلطاتهم وخمائرهم تعالج كل شيء، في مناخ يعتقد فيه العوام أن الأعشاب لا تضر حتى إذا لم تكن ذات قيمة دوائية... وهذا هو «الوهم» بعينه.

مشاركة :