تحيي منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونيسكو" اعتبارا من غد الجمعة أسبوع الوئام العالمي بين الأديان، وهو حدث سنوي يُحتفل به على مدى الأسبوع الأول من شهر فبراير، وذلك منذ عام 2011.وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد أقرت أسبوع الوئام العالمي بين الأديان في قرارها رقم 5/65 الذي اتخذ في أكتوبر 2010، مشيرة إلى أن التفاهم المتبادل والحوار بين الأديان يشكلان بعدين هامين من الثقافة العالمية للسلام والوئام بين الأديان، مما يجعل الأسبوع العالمي وسيلة لتعزيز الوئام بين جميع الناس بغض النظر عن ديانتهم.واعترافًا منها بالحاجة الملحة للحوار بين مختلف الأديان، ولتعزيز التفاهم المتبادل والانسجام والتعاون بين الناس، تُشجّع الجمعية العامة جميع الدول إلى دعم هذا الأسبوع لنشر رسالة الانسجام والوئام من خلال كنائس ومساجد ومعابد العالم وغيرها من أماكن العبادة، على أساس طوعي ووفقا للقناعات والتقاليد الدينية الخاصة بهم.وكان قد تم طرح مبادرة أسبوع الوئام بين الأديان لأول مرة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 23 سبتمبر 2010 من قبل عاهل الأردن الملك عبد الله الثاني، وبعد أقل من شهر، وبالتحديد في 20 أكتوبر 2010، تم تبني المبادرة بالإجماع من قبل الأمم المتحدة، ليصبح أول أسبوع من شهر فبراير أسبوع الوئام بين الأديان.وترتكز فكرة أسبوع الوئام بين الأديان على العمل الرائد لمبادرة كلمة سواء، وقد انطلقت هذه المبادرة في عام 2007، حيث دعت كلا من العلماء المسلمين والمسيحيين للحوار بناء على وصيتين أساسيتين مشتركتين وهما: "حب الله وحب الجار" من دون المساس بأي من المعتقدات الدينية الخاصة بهم.وتعد هاتين الوصيتين في صميم الأديان السماوية الثلاثة، لتوفر بذلك أصلب أرضية دينية عقائدية ممكنة، وتتعدى مبادرة أسبوع الوئام بين الأديان هاتين الوصيتين من خلال إضافة "حب الخير، وحب الجار"، وتشمل هذه المعادلة كل أطراف النوايا الحسنة، بالإضافة إلى جميع الأفراد الذين يؤمنون بديانات أخرى، أو ممن لا يؤمنون بأي ديانة.ويطلق مفهوم حوار الأديان على المنتديات والاجتماعات التي تكون بين أتباع الديانات السماوية المختلفة بهدف تحقيق غايات معينة، منها نبذ العنف والتمييز العرقي والطائفي، ومكافحة الإرهاب، والوصول إلى نقطة تلاقي وقاسم مشترك بين جميع أتباع الديانات السماوية بهدف التعاون من أجل مصلحة البشرية وبما يعود بالنفع عليها في جميع المجالات، وبما يجنبها مخاطر الخلاف والتناحر.ويأتي موقف الإسلام من مسألة حوار الأديان إيجابيا يشجع على تعزيزه، فعلى الرغم من أن الله سبحانه وتعالى قد بين في كتابه العزيز أن الدين المتقبل عنده هو الإسلام فقط، وأن الله لن يقبل من الناس غيره، إلا أن تلك الحقيقة لم تمنع المسلمين من السعي لبناء قواسم مشتركة بينهم وبين غيرهم من الديانات السماوية، مبنية على الحوار، وتبادل الأفكار، وأن أهم ما يرتكز عليه مفهوم حوار الأديان في الإسلام ما يلي:- الإيمان بضرورة استمرار دعوة أتباع الديانات السماوية للجلوس على طاولة الحوار من أجل التوصل إلى نقاط مشتركة بين المسلمين وغيرهم على قاعدة بيان الصواب والخطأ، والحق والباطل،- والتأكيد على حسن الأساليب المستخدمة في الحوار، فالحوار ليس هدفًا في حد ذاته، وإنما هو وسيلة للوصول إلى الاتفاق، ومن بين الأساليب التي حث عليها الإسلام في الدعوة والحوار عمومًا أسلوب الموعظة الحسنة، والتذكير الطيب، والمجادلة الرفيقة التي لا يكون فيها غلظة أو شدة،- والتأكيد على معاني التعارف والتعاون الإنساني الذي لا تشترط له وحدة العقائد والأديان، وقد ضرب النبي عليه الصلاة والسلام المثال والنموذج في ذلك حينما كان يتعامل مع أهل الكتاب، فالناس جميعًا قادرون على أن يتعاونوا فيما بينهم وإن اختلفت أديانهم من أجل مصلحة البشرية عمومًا.وكشفت الدورة السادسة لمؤتمر زعماء أديان العالم السماوية والتقليدية بالعاصمة الكازاخية آستانة التي عقدت في أكتوبر 2018 والتي اشترك فيها فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، وممثلون عن مختلف الأديان السماوية والتقليدية، فضلا عن وفود كثير من المنظمات الدولية والإقليمية المعنية بقضايا الدين ودوره في الحياة العامة، ومنها: رابطة العالم الإسلامي (المملكة العربية السعودية)، وجماعة سانت إيجيديو (إيطاليا)، وبيت آسيا (إسبانيا)، ومؤسسة توني بلير (بريطانيا)، ومنظمة مبادرة قرطبة (الولايات المتحدة الأمريكية)، وكذلك مؤتمر الأديان من أجل السلام، ومركز الملك عبد الله الدولي في فيينا للحوار بين الأديان والثقافات، ومجلس الكنائس العالمي، إلى جانب عدد من كبار المسؤولين في كازاخستان، إذ بلغ عدد الوفود المشاركة 80 وفدًا من 45 دولة، من بينها 20 وفدًا إسلاميًا و15 وفدًا مسيحيًا، فضلًا عن ممثلي المنظمات اليهودية، ومنها: التحالف الوطني لدعم الجاليات اليهودية في أوراسيا، ورئيس الجالية اليهودية في فرنسا، فضلا عن الحاخام الأكبر للاشكيناز والسفارديم بإسرائيل.وأشار الرئيس الكازاخى نزارباييف إلى أنه "ليس أمامنا إلا الأزهر الشريف ومنهجه الوسطى لمكافحة التطرف... الأزهر بحكم مكانته العالمية يقوم بدور كبير تجاه قضايا المسلمين".وأكد الدكتور أحمد الطيب دور الأزهر ومسؤوليته في الذود عن الإسلام الوسطي الصحيح الذي ينبذ العنف ويحارب التطرف والإرهاب، وكذلك أكد أن الخلاف والتنازع مآله الفشل، وأن الأزهر الشريف سيظل داعمًا لكل مبادرة تقرب بين المسلمين، وراعيًا لكل دعوة تجمع بين الناس على اختلاف أديانهم، وأن الإرهاب الذي يحاربه الجميع اليوم ليس صنيعة الإسلام ولا المسيحية ولا اليهودية، كأديان سماوية، ورسالات إلهية بلغها أنبياء الله ورسله، موسى وعيسى ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، ولكنه صنيعة سياسات عالمية جائرة ظالمة ضلت الطريق وفقدت الإحساس بآلام الآخرين من الفقراء والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدونَ سبيلا.وأضاف الشيخ أحمد الطيب أن المسؤولين عن السياسة الدولية أنفقوا تريليونا ونصف التريليون دولار على الحروب المندلعة في أفغانستان والعراق وسوريا في الفـترة من 11 سبتمبر 2001 وحتى 31 مارس 2018، وهذا المبلغ يعادل ميزانية دولة كبرى مثل ألمانيا لمـدة 5 سنوات، متسائلا: لماذا؟ ولمصلحة من؟ وهل كان يسمح بإنفاق عشر معشار هذا الرقم لمصلحة الشعوب البائسة المحتاجة، ولمحاربة الفقر والمرض والجهل؟ ومن أجل الجوعى والمشردين والمهجرين من بيوتهم وأوطانهم رغم أنوفهم، في ميانمار وفي القدس وغيرهما؟والجدير بالإشارة أن مبادرة حوار الأديان لم تلق تأييدا من الأزهر الشريف في مصر فحسب الذي حرص على المشاركة الفعالة في فعالياتها منذ بدء انطلاقها عام 2003، بل حظيت هذه المبادرة بتأييد واسع المدى من جانب الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال زيارته إلى كازاخستان في فبراير 2016، إذ أكد البيان الصادر في ختام الزيارة آنذاك التأييد المصري لتلك المبادرة كونها تمثل عاملًا مهما في تعزيز الحوار بين الأديان والحضارات في العالم، مشددا على الرغبة المصرية في الاستمرار في المشاركة بنشاط كبير وعلى أعلى مستوى في هذا المؤتمر، وتأتي مشاركة فضيلة الدكتور أحمد الطيب في تلك الدورة تأكيدا على الرؤية المصرية في دعم تلك المبادرة كآلية رئيسية في مكافحة أيديولوجيا التطرف الديني والتشدد، والسعي لنشر أفكار التسامح والجوهر السلمي للإسلام.وخلص المؤتمر -في بيانه الختامي الذي أُطلق عليه "إعلان آستانة"- إلى التأكيد على البيانات السابقة الصادرة عن المؤتمرات الخمسة الماضية للمؤتمر، مع أهمية تعاون زعماء الأديان العالمية والتقليدية مع المؤسسات الحكومية والمجتمعية المعنية بتعزيز التعايش السلمي للشعوب والدول من خلال الحوار ونشر القيم الإنسانية الإيجابية، كما تضمن البيان حزمة من التوصيات، أبرزها ما يأتي:1- رفض الزج بالدين في الصراعات السياسية وكل مظاهر الأنانية والتعصب والقومية العدوانية ودعاوى التمييز، والتمسك بسيادة الأخلاقيات العليا، ووحدة مساعي الدول نحو إقرار التعاون والاحترام المتبادل، من أجل استقرار ورخاء وأمن كل البشر،2- وتعزيز جهود زعماء الأديان العالمية والتقليدية بشأن التوصل إلى استقرار طويل الأمد ومنع حوادث العنف بسبب الكراهية والتمييز الطائفي والعنصري،3- ودعم تعاون زعماء الأديان مع المؤسسات الدولية والهيئات الحكومية والمجتمعية كفكرة أساسية، لتحقيق التوصيات والبرامج المهمة والملحة الرامية إلى ضمان الأمن الشامل في العالم، مع مساعدة كل المجتمعات والشعوب، بصرف النظر عن العرق والدين والمعتقدات واللغة والجنس، في امتلاك الحق الذي لا يتجزأ في الحياة السلمية،4- وضمان الحقوق المتساوية والحريات لكل المواطنين، مهما كان انتماؤهم العرقي واللغوي والديني والقومي والطائفي والاجتماعي، أو وضعهم المادي والوظيفي والتعامل مع الآخرين بروح الإخاء، مع ضرورة دعم المبادرات والجهود المبذولة في مجال تعزيز الحوار بين الأديان والطوائف، كأحد المحاور الأساسية والهامة في جدول الأعمال الدولي لبناء نظام عالمي قائم على العدل ونبذ الصراعات،5- والتضامن مع كل المجموعات الدينية والطوائف العرقية، التي تعرضت لانتهاك حقوق الإنسان والعنف من جانب المتطرفين والإرهابيين،6- ودعم الجهود الرامية لحماية اللاجئين وحقوقهم وكرامتهم وتقديم كل المساعدات الضرورية لهم، مع مطالبة الشخصيات السياسية ووسائل الإعلام العالمية بالتوقف عن ربط الإرهاب بالدين، لأن هذه الممارسات تلحق الضرر بصورة الأديان والتعايش السلمي، وتضرب الثقة المتبادلة والتعاون بين أتباع الدين الواحد والأديان الأخرى،7- ومطالبة زعماء الأديان لنشر قيم الإسلام والتفاهم المتبادل والتسامح في وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، والتجمعات الأهلية، وبذل الجهود لمنع الاستفزازات والعنف في الأماكن المقدسة لكل الأديان، ودعم المؤسسات والمبادرات التي تعتبر حوار الأديان والحضارات أفضل وسيلة لبناء مجتمع مسالم وعادل،8- وإنشاء مركز نور سلطان نزارباييف لتطوير حوار الأديان والحضارات، كرمز للاعتراف بمساهمة الرئيس المؤسس لجمهورية كازاخستان في عملية التعاون الدولي من أجل السلام والوفاق،9- والتمسك بجعل كلمة الزعماء الدينيين المؤثرين مسموعة بوصفها "صوت الحكمة".
مشاركة :