اللقاء بين الإمام الأكبر شيخ الأزهر أكبر شخصية دينية إسلامية والبابا فرانسيس أكبر شخصية دينية مسيحية يعد واحدا من أهم اللقاءات التي تناقش إرساء ثقافة السلم والأمن والإخاء بديلا للعنف والنزاعات العقائدية والعرقية، وترسيخ المفهوم الإنساني للمواطنة كما أقرتها الأديان والمواثيق الإنسانية، والتي تضع الأوطان وكرامة المواطنين فوق كل اعتبار.والمناسبة هي متابعتي عن قرب للمداولات ولجان العمل وحلقات النقاش فى أروقة المؤتمر العالمي للأخوة الإنسانية الذي ينعقد الآن في أبوظبي الذى يرعاه الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبو ظبي، بحضور فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر "رئيس مجلس حكماء المسلمين"، وقداسة البابا فرانسيس بابا الفاتيكان الذى يزور منطقة الخليج لأول مرة، ويحضر المؤتمر أكثر من 700 من قيادات العمل الإنساني في العالم، وهي ليست المرة الأولى التي يجتمع فيها فضيلة الإمام الأكبر مع قداسة البابا فرانسيس، فقد سبق أن التقيا في القاهرة في مؤتمر "الأزهر العالمي للسلام"، وقبله التقيا في الفاتيكان. وهنا أجدني أتذكر المفهوم الذي عبر عنه الرئيس عبد الفتاح السيسي في المؤتمر الصحفي مع الرئيس ماكرون بالقاهرة، حين وصف التعايش بين المصريين ببساطته المعهودة: مابقاش مقبول عندنا وصف المواطنين هذا مسلم وهذا مسيحي، لكن السائد الآن أن كلهم مصريون بلا تفرقة.وقال الرئيس إن حقوق الإنسان بمعناها الشامل تتجاوز الحق في التدوين، ولكنها تمتد لتشمل الحق في توفير السكن المناسب له، وأن نجاح الدولة في توفير سكن لأكثر من 250 ألف أسرة كانوا يعيشون في سكن لا يناسب البشر.كما أشار الرئيس إلى أن علاج 120 ألف مواطن كانوا على قوائم الانتظار في الجراحات الكبرى يمثل أحد أهم حقوق المواطن في الصحة.. وبنفس البساطة أوضح الرئيس: لا يليق عندنا في مصر.. بقت إساءة إنك تقول مصري مسيحي ومصري مسلم، مابقاش ده مقبول عندنا دلوقتي، بقى اسمه مصري، هذا بالإضافة إلى أن الدولة المصرية في نفس الوقت الذى تحارب فيه الإرهاب وحدها تسير بنجاح في برنامج الإصلاح الاقتصادي، وإصلاح اجتماعي ، وهى مسارات تنفذها بالفعل الحكومة المصرية ، وهى تجربة تعد ملهمة لجميع دول المنطقة لفهم حقوق الإنسان، بمعناها الشامل للمواطنة والعيش المشترك والتآخي بين الناس والمحبة بينهم.ومن مفهوم مصر الدولة إلى المواطنة والإخاء الإنساني إلى مفهوم المؤتمر للأخوة الإنسانية التي أعتبرها أمل كل إنسان يحيى على وجه الأرض، فالأخوة الإنسانية فى الإسلام تقوم على نوعين.النوع الأول: علاقة الإنسان بخالقه جل وعلا وهذه علاقة خاصة جدا وليس من حق أي مخلوق أن يتدخل فيها، أما النوع الثاني فهو علاقة الإنسان بالإنسان و نتعلمها من علاقة الأنبياء والمرسلين بأقوامهم حتى لو كانوا كفارا، وفي هذه الأيام نجد بعض النوعيات من المتاجرين بالدين يصنف الناس ويعطيهم درجات ومراتب إيمانية وإنسانية ويفرق بين الناس ويقسمهم حسب هواه، وتناسوا جميعا أن أنبياء الله لم يفعلوا هذا.وفي مصر تجلت قيمة الأخوة الإنسانية في طبيعة العلاقة بين المصريين مسلمين ومسيحيين تاريخيا، ففي ثورة 1919 التي نحتفل هذه الأيام بمرور مائة سنة على اندلاعها.. هذه الثورة الشعبية كان يصعب على الجميع التفريق بين المسلمين والمسيحيين، فلن ينسى أحد عندما خطب القسيس فى المسجد وخطب الشيخ فى الكنسية، فقد كان مطلب المصريين واحدًا.وبعد مائة عام وفي ٢٠١٩ يتكرر نفس المشهد فى افتتاح مسجد الفتاح العليم وكنيسة كاتدرائية ميلاد المسيح فى يوم واحد لهو حدث استثنائي لم يحدث على مدار التاريخ الإسلامي، والكنيسة والمسجد بنيا في وقت واحد للتأكيد على مشاعر الأخوة بين المسلمين والمسيحيين والهدف هو تجسيد روح الأخوة والمحبة ليقفا شامخين للتصدى لكل محاولات العبث بالاستقرار في مصر. من هنا يجب أن أؤكد على دور قادة الدول فى تفعيل وتحقيق مفهوم ومعنى الأخوة الإنسانية والتحول من ردّ الفعل إلى الفعل، والعمل على نشر ثقافة السلام من خلال الاهتمام ببرامج تحفز الأخوة الإنسانية على أرض الواقع على مستوى كل دولة على حِدَة ومن خلال المؤتمرات على المستوى الإنساني والدولي، والضرورة الماسة إلى التركيز على المشتركات الإنسانية والقواسم المشتركة بين الأديان في الخطاب الديني والثقافي والتربوي والإعلامي، وسن القوانين التي تُجَرّم التمييز على أساس الدين أو اللون أو العرق، والعمل من خلال المؤسسات الدولية على تجريم التمييز بسبب وفى النهاية أتمنى قيام العلماء والمتخصصين المشاركين في المؤتمر بتصحيح المفاهيم الخاطئة والفهم المنقوص للآيات والأحاديث التى يستخدمها من هم يعملون ضد الانسانية فى تبرير التطرف والإرهاب أو تمويله والترويج والتنظير لهما.
مشاركة :