على غرار «بلاها لحمة» و«خليها تحمض» و«بلاها سمك» و«خليها تصدي» وغيرها من حملات المقاطعة التى أطلقها المصريون، فى الفترات الأخيرة، من خلال منصات «السوشيال ميديا»، احتجاجًا على زيادة أسعار اللحوم وغلاء أسعار الفاكهة وارتفاع أسعار السمك ولمقاطعة شراء السيارات، ولإجبار التجار على تخفيض أسعار بعض السلع الغذائية، ظهرت خلال الأيام القلية الماضية حملات من نوع جديد، فى شكل اجتماعي، اعتراضًا على المغالاة فى تكاليف الزواج من قبل أهل الفتيات، أطلقها الشباب تحت لافتة: «خليها تعنس»، حتى أن الفتيات ردت بحملة مناهضة، تحت مُسمى: «خليك جنب أمك».وبين هذا وذاك، وفى خضم هذه النار المشتعلة، جاءت حملات الشباب والفتيات، على منصات التواصل الاجتماعي، لتُعيد طرح قضية؛ ثقافة الزواج فى مصر، التى تبدأ بـ«النيش» وغالبًا ما تنتهى بـ«المحاكم»، وهو ما تطرحه «البوابة» خلال السطور التالية.وفقًا لدراسة صادرة فى يوليو ٢٠١٨ عن الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء، فإن عدد الإناث اللاتى لم يتزوجن فى الفئة العمرية ٣٥ عامًا فأكثر، خلال عام ٢٠١٧، ٤٧٢ ألف أنثى، بنسبة ٣.٣٪ من إجمالى عدد الإناث فى تلك الفئة العمرية مُقابل ٦٨٧ ألف حالة ذكور بنسبة ٤.٥٪.وأضافت الدراسة، أن نسبة «العنوسة» فى الإناث بلغت ٤.٢٪ فى الحضر مُقابل ٢.٦٪ بالريف، بينما وصلت هذه النسبة بين الذكور فى الحضر إلى ٦.٨٪ مقابل ٢.٤٪ بالريف، خلال ٢٠١٧، كما سجلت الإناث الحاصلات على مؤهل جامعى فأكثر ولم يتزوجن من قبل، أعلى نسبة للعنوسة فوق سن ٣٥ عامًا، بنسبة ٥.٨٪.وحدد التعبئة والإحصاء ٦ أسباب رئيسية لـ«العنوسة» فى مصر، تمثلت فى غلاء المهور وارتفاع تكاليف الزواج الأخرى الناتجة عن العادات والتقاليد المتبعة، وغلاء المعيشة وصعوبة توفير سكن، وارتفاع معدلات البطالة، وارتفاع معدل التعليم بالنسبة للإناث خاصة بالحضر، والانشغال بالعمل أو الوظيفة من قبل الفتاة وعدم الرضا بمن يتقدم إليها، وضعف الأجور التى يتقاضاها الشباب.على الجانب الآخر، فإن آخر تقارير التعبئة والإحصاء عن معدلات الزواج والطلاق فى مصر، الصادر فى يوليو ٢٠١٨، أكد أن عدد عقود الزواج بلغت ٩١٢ ألفا و٦٠٦ عقود عام ٢٠١٧ بنسبة انخفاض قدرها ٢.٨٪ عن ٢٠١٦، بينما بلغت عدد إشهادات الطلاق ١٩٨ ألفا و٢٦٩ إشهادًا عام ٢٠١٧، بنسبة زيادة قدرها ٣.٢٪ عن ٢٠١٦، ما يعني؛ أن هناك حالة طلاق واحدة تحدث كل ٤ دقائق.كما أن تقارير هيئة الأمم المتحدة، تُشير إلى أن معدلات الطلاق فى مصر ارتفعت من ٧٪ إلى ٤٠٪ خلال نصف القرن الماضي، حيث وصل عدد المطلقات فى مصر نحو ٤ ملايين مطلقة فى مقابل ٩ ملايين من أبناء الأزواج المطلقة، وهو ما يجعل من مصر على رأس قائمة الدول الأكثر فى حالات طلاق.وقبل أيام قليلة، دشن رواد مواقع التواصل الاجتماعى «فيسبوك- تويتر» من الشباب حملة بعنوان «خليها تعنس» اعتراضًا على ارتفاع تكاليف الزواج ومطالب الأهالى من حيث «المهر والمؤخر والشبكة والشقة والعفش» وغيرها، التى وجدوها «مبالغا فيها» وغير منطقية بل وإنها فى غير استطاعتهم المادية فى ظل الظروف الاقتصادية الصعبة. فضلًا عن ارتفاع الأسعار فيما يخص كافة مستلزمات الزواج وبدء الحياة الزوجية، ما دفع بعض الشباب إلى تدشين هذه الحملة لمقاطعة الزواج، لإثبات أن الفتيات ليست سلعة، يقوم الشباب بشرائها ولتسليط الضوء على إبراز فكرة أن ليست كل الأهالى تبالغ فى طلبات الزواج.إلا أن هذه الحملة أثارت حالة من الغضب والاستنكار لدى الكثيرين من مستخدمى مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصةً الفتيات، اللاتى لجأن إلى تدشين حملة أخرى ردًا على هذه الحملة تحت مسمى «خليك جنب أمك»، و«خليك فى حضن أمك» و«خليه يخلل» و«ربنا نجدها نوسة»، لتبدأ الحرب بينهما فى العالم الافتراضي، وهذه الحملات تصدرت قائمة الأكثر تداولًا على موقع «تويتر»، ليعبر كل من الفتيات والشباب عن آرائهم فى هذه المشكلة الاجتماعية التى تصادفهم أثناء الزواج حاليًا.رأي الشارع: الحملة موجهة ضد الأهل وليس الفتياتفى جولة ميدانية لـ«البوابة»، لرصد رد فعل الشباب والفتيات والأهالي، على هذه الحملات «خليها تعنس»، ومدى استجابتهم ما بين التأييد والرفض لها، أكد الشباب والفتيات أن الهدف الأساسى من هذه الحملات هو الضغط على الأهالى للحد من مطالبهم «المبالغ فيها»، كى يستطيع الشباب بدء حياتهم الزوجية دون أى ضغوط مادية، وليس المعنى منها الفتيات أو الشباب أنفسهم، ولكن لتسهيل الزواج على الطرفين، دون اعتبار الزواج كصفقة بيع وشراء، وأن الفتيات لسن بسلعة.فيما وجد الأهالى أنهم يمتلكون الحق وفقًا للعادات والتقاليد والأعراف، للمطالبة بحق بناتهن وتوفير حياة زوجية كريمة لهن، الأمر الذى اعتبروه ليس بـ«جشع أو طمع» فى الأموال، بل إنها أساسيات الزواج المتعارف عليها منذ قديم الأزل، كما أنهم يؤيدون أن البعض منهم قد يبالغ أحيانًا فى المطالب اللازمة للزواج.فى البداية، قال «أحمد. س»، شاب مؤيد لحملة «خليها تعنس»، إنه يؤيد الحملة التى تم إطلاقها على مواقع التواصل الاجتماعى «تويتر» و«فيسبوك»، حيث إن المقصود منها ليست الفتيات ولكن الأهالى الذين يتسببون فى العديد من الأزمات نتيجة طلبات الزواج «الخارقة» للطبيعى أو المتعارف عليه.وأوضح، أن سبب إقبال الشباب على تأييد هذه الحملة يرجع إلى تعرضهم لهذه المواقف، التى أدت إلى إحباطهم وعدم إقبالهم على فكرة الزواج أو التفكير فيها مرة أخرى، نتيجة الأزمات التى كان السبب الرئيسى فيها هو طمع الأهالي، وعدم تفكيرهم فى ظروف الشباب الصعبة فى الوقت الحالي.فيما رفض الشاب «حسين. ح»، حملة «خليها تعنس»، موضحًا أن الأزمة الحقيقية تكمن فى ارتفاع الأسعار «الشقق- الأجهزة الكهربائية- الذهب» وكافة السلع اللازمة لتأسيس حياة زوجية، إلا أن الفتيات وأسرهن لا ذنب لهم فى هذه الظروف التى أصبح يعانى منها جميع المواطنين بلا استثناء.وأكد ضرورة أن تتعامل الأسر وفقًا للظروف المادية والاجتماعية للطرف الآخر، دون أن يتم تشكيل أى ضغط على الطرفين، بل التركيز بشكل كبير لا بد أن ينصب على «الاختيار الملائم»، فالدين الإسلامى حث المسلمين على الزواج والستر للمسلمات والبعد عن البغض وكل ما حرمه المولى عز وجل.من جانبها، قالت «إيمان. أ»، إنها ترفض حملة «خليها تعنس» وحملة الفتيات «خليك فى حضن أمك»، التى تم إطلاقها للرد على حملة الشباب، مؤكدة أن هذه الحملات لن تحل هذه الأزمة الاجتماعية على الإطلاق، بل إنها قد تؤدى إلى تفاقمها وتزايدها، حيث إن الأزمة تكمن فى ارتفاع تكاليف الزواج، وطلبات أهالى العروسة والعريس أيضًا التى قد تصل إلى حد المبالغة، ما يؤدى إلى فشل الزواج قبل بدايته نتيجة الاختلاف فى الاتفاق بين الطرفين.وأضافت: «الكل عارف إن الجواز محتاج مصاريف كتير، وكمان كل حاجة بقت غالية جدًا، وفى نفس الوقت بنلاقى أهالى العروسة بيطلبوا طلبات كتيرة وغالية أوي، وهما عارفين الظروف اللى بقت صعبة على كل الناس دلوقتي، وعلشان كده لازم يكون فيه رحمة شوية، ومتكنش الطلبات فى الجواز أوفر، وبرضو متكنش قليلة علشان البنت مش رخيصة، لأن لو الأهل فرطوا فى حقها هتضيع قيمتها عند جوزها وهتحصل مشاكل كتيرة بينهم بعد الجواز، وممكن توصل للطلاق».بينما رأت «شيماء. م»، إحدى الفتيات الرافضة للحملات، أن الحملات التى تم إطلاقها على مواقع التواصل الاجتماعى ما بين الشباب والفتيات عن الزواج جاءت نتيجة الضغوط والأزمات التى حدثت لهم عن واقع تجربتهم لخوض مرحلة الزواج، حيث إن الشباب تحدثوا من خلال حملة «خليها تعنس» عن المواقف التى تعرضوا لها أثناء إقدامهم على هذه الخطوة، الأمر الذى اعتبروه جشعا من أهالى العروسة وليس مطالب من أجل الحفاظ على حق بناتهن.وأضافت، أن الأهالى هم سبب هذه الأزمة وإطلاق الحملات على السوشيال ميديا، حيث إن بعضهم قد يبالغ كثيرًا فى توجيه الطلبات اللازمة للزواج للعريس أو الشاب.خبراء: الجيل الحالى «أنانى»قالت الدكتورة سوسن الفايد، أستاذ علم النفس بالمركز القومى للبحوث الجنائية والاجتماعية، إن حملتي: «خليها تعنس» و«خليك جنب أمك» وغيرهما، تعد بمثابة تحد بين الطرفين (الذكور والإناث)، وجاءت نتيجة العديد من العوامل التى أثرت بشكل مباشر عليهما على رأسها إحجام الشباب عن الزواج، وهو ما نتج عنه ضرر نفسى لدى الفتيات.وأضافت، أن الحملتين تشيران إلى وجود تكتلات فئوية، تتراشق ثقافيًا فيما بينهم، فبعض الشباب فضل الإحجام عن الزواج، والبعض الآخر دعا للزواج من الأجنبيات، خاصة وأن جيل الشباب الحالى يتميّز بشيء من الأنانية وعدم القدرة على تحمل المسئولية، وعلى الطرف الآخر لجأت الفتيات إلى الزواج ممن يكبرهن فى السن بعقود، والقبول بفكرة الزوجة الثانية؛ ما يشير إلى وجود أزمة قيم بين المجتمع ككل، ولكنها تظهر جليًا بين الأجيال المقبلة على الزواج.وشددت «الفايد»، على ضرورة تبنى المؤسسات الدينية، ووسائل الإعلام، المصالحة الثقافية بين الطرفين، وذلك ببث مفاهيم جديدة عن الزواج، وبث قيّم بديلة عن القيم السائدة فى المجتمع المصري، إلى جانب وضع الخطط، ونشر البرامج الثقافية بالمفاهيم الجديدة التى من شأنها إحداث التقارب بين الطرفين.وأرجع الدكتور أحمد عبدالله، أستاذ الطب النفسى والاستشارى التربوي، لجوء الشباب والفتيات لإطلاق تلك الحملات، إلى فشل منظومة الزواج فى مصر، مشددًا على أن قياس الشباب اسم الحملات على أسماء حملات ضد بعض السلع كـ «خليها تعفن» و«خليها تصدي»، وصولًا إلى «خليها تعنس»، له دلالات بأن البعض يتعامل مع الزواج من منظور سلعة كباقى السلع.وشدد لـ«البوابة»، على ضرورة مراجعة كل جزئية مرتبطة بمنظومة الزواج فى مصر، بما يتضمن تجديد الخطاب الديني، وإعادة هيكلة الأفكار، والعادات والتقاليد المجتمعية، والتى ينظر إليها البعض من منظور «المسلمات»، التى لا تقبل إعادة النظر، أو البحث، أو التطرق إليها، وصولًا إلى الأزمات الاقتصادية الحالية، وتكاليف الزواج المرتفعة، موضحًا أن أزمة الزواج متشابكة فى كافة الأمور الحياتية، ما يتطلب إعادة النظر فيها، وفتح حوار مجتمعى حولها تشارك فيه كافة أطراف المجتمع.وتابع «عبدالله»: «المصريين مش بتوع مشاوير طويلة، الأزمة ممتدة من القرن الماضي، ولم يتطرق إليها أحد لإيجاد حل حقيقى لها، لا سيما وأنه يندرج تحتها العديد من الظواهر والمشكلات التى يواجهها المجتمع، كارتفاع نسب الطلاق، والتحرش، وزواج القاصرات».ويوضح الاستشارى التربوي، أن تلك القضية مركبة ومتشابكة، تحتاج إلى إعادة النظر فى بعض مسلمات المجتمع الفكرية، ما يجعل البعض يتهرب من مواجهتها، واللجوء إلى معالجة الأمر بالاختذال والاختصار، فقطاع كبير من الشباب رافض الزواج، ومعظم من يتزوج يتجه للطلاق بعد شهور وسنوات معدودة، ما نتج عنه معاناة مصر من معدلات الطلاق غير المسبوقة، والمتزايدة.وأضاف، أن بداية الطريق لحل الأمة هو الاعتراف بفشل المنظومة والسعى لحلها، لا سيما وأن البعض يختذل الأمر فى التكاليف المادية وارتفاعها، بينما يلجأ البعض الآخر للعقاب عن طريق إطلاق مثل تلك الحملات.فيما وصفت الدكتورة سامية خضر، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، تلك الحملات بـ«المعركة»، حيث إن الشباب المروجين لها يستخدمون كلمات وألفاظا قاسية كـ«عانس»، و«جنب أمك» و«خليه يخلل»، مستنكرة استخدامهم لتلك الكلمات، فهى مباراة كراهية، كأنها مصارعة فى كبت جماح الآخر والإقلال من شأنه.وتابعت، أن البعض قد يتخذها من باب اللهو، ولكن لها أبعاد نفسية كبيرة، سينتج عنها أثر نفسى داخلهم؛ فهى تعبر عن المفاهيم الداخلية للشباب، خاصة أنها قائمة على العنف فى الكلمات، وتراشق الألفاظ، وذلك على الرغم من أن الطرفين حتى اللحظة الراهنة لم يقاسيا من أزمات الحياة، أو مشكلاتها الحقيقية.وأشارت إلى، أن السخرية القائم عليها تلك الحملات تدعو للإحباط؛ والانحطاط الأخلاقي، مستطردة: «شيلنا برقع الحياء، وصلنا لمرحلة صعبة، هتزيد كل فترة، إن لم يكن هناك وقفات للحد من تلك الأمور».بينما يرى الدكتور جمال حماد، أستاذ علم الإجتماع بجامعة المنوفية، أن الشباب يستخدم تلك الحملات للتعبير عن حالة الغضب التى تنتابهم، والتنفيس عنها، إلى جانب اعتراضهم على غلاء الأسعار.ويقول الدكتور مصطفى رجب، أستاذ علم الإجتماع، وعميد كلية التربية الأسبق بجامعة جنوب الوادي، إن مبالغة بعض الأهالى وأولياء الأمور فى طلباتهم لإتمام الزواج، له دور رئيسى فى تفاقم الأزمة الحالية، وارتفاع نسب الطلاق فى مصر.ويُضيف، أن لجوء الشباب لإطلاق تلك الحملات يعبر عن وجود فراغ فكري، وعدم اهتمام الشباب بالاتجاه نحو الجدية فى حياتهم؛ وبحث الأزمة بشكل جدى للوصول إلى حل جذري.من جانبها قالت الدكتورة هالة منصور، استاذ علم النفس الاجتماعي، إن تلك الحملات تندرج تحت «الهزار والتهريج» على حد وصفها، وليس لها أى تأثير اجتماعى على مفاهيم الزواج أو معايير الاختيار.
مشاركة :