20 سبباً تدفع البنوك الخليجية إلى الاندماج

  • 2/3/2019
  • 00:00
  • 12
  • 0
  • 0
news-picture

تامر حماد – تشهد دول مجلس التعاون الخليجي حالياً 12 عملية مفاوضات لإتمام جملة صفقات دمج واستحواذ مصرفية قل نظيرها، وقد تكون الأنشط على الصعيد المصرفي الدولي في هذه المرحلة. هذا العدد غير المسبوق لم يأتِ من فراغ، بل فرضته ظروف جديدة أبرزها انخفاض أسعار النفط والإصلاحات الاقتصادية الهيكلية التي شرعت في تنفيذها دول الخليج بعد دخول ميزانياتها في عجوزات هائلة بسبب هبوط الإيراد النفطي بشكل حاد. وتواكب الوكالات الدولية للتصنيف الائتماني هذه العمليات أولاً بأول، وكذلك تفعل وكالات الأنباء الاقتصادية العالمية مثل بلومبيرغ، والمؤسسات المالية المتخصصة والبنوك الاستثمارية العاملة في عمليات الدمج والاستحواذ. القبس اطلعت على جملة تقارير تلك الجهات، ورصدت الآتي: يرتبط نمو الأصول المصرفية ارتباطاً عضوياً وثيقاً بنمو الناتج الاقتصادي. وبما أن نمو اقتصادات دول الخليج تباطأ خلال السنوات الماضية، فإن المصارف تواجه تحدّياً في كيفية الحفاظ على جودة أصولها وتنمية تلك الأصول على نحو يتجاوز تأثير هبوط النفط، ويواكب برامج الإصلاح الاقتصادي والمالي وإعادة الهيكلة الاقتصادية باتجاه مزيد من التنويع، بعيداً عن مصدر الدخل شبه الوحيد. لكن هذا التحدّي صعب ودونه عقبات، لأن معظم القطاع المصرفي الخليجي مشتّت الوحدات ولا يرقى ليكون منافساً قوياً للمصارف الدولية. لذا، فرض خيار الدمج والاستحواذ نفسه بقوة. وتقول وكالة موديز للتصنيف الائتماني في تقرير حديث لها «إن اندماج البنوك الخليجية لم يعد رفاهية، بل ضرورة مالية واقتصادية تمليها الظروف المستجدة». فمع إصابة الموازنات الخليجية بالعجز المتراكم بأرقام خيالية سنة بعد أخرى، تراجعت الودائع الحكومية في البنوك المحلية، وزاد الاقبال على طرح أدوات دين عام لتمويل العجوزات. وهبط الإنفاق العام بنسب متفاوتة بين دولة خليجية وأخرى، وبات أقل من السابق، لا سيما مقارنة بـــ 2014 وما قبلها عندما صعدت أسعار النفط الى مستويات قياسية، تحقّقت معها فوائض مالية بمئات مليارات الدولارات سنوياً. انخفاض هوامش الأرباح أما تراجع الإنفاق منذ 2014 ـــ 2015 فقد أثّر في البيئة التشغيلية العامة عموما، وفي القطاع المصرفي على وجه الخصوص؛ فتعرّضت هوامش الأرباح لضغوط تفاقمت سلبياتها مع هبوط في انفاق الافراد وتباطؤ استثمارات الشركات التي تأثرت بدورها بتراجع الإنفاق الحكومي أيضاً. ولمواجهة هذا الواقع الصعب ازدادت المنافسة المصرفية على جذب المودعين والمقترضين، فإذا بهذه المنافسة الشرسة على حصص سوقية محدودة تؤدي الى أخطاء في تسعير الخدمات والمنتجات المالية والمصرفية، وهذه الأخطاء كادت أحيانا تودي بالنمو وبجودة الأصول. وترك تراجع النمو الاقتصادي آثارا على طلب الائتمان الذي تباطأ نموه في المصارف الخليجية، كما ان نقص السيولة رفع حدة المنافسة على جذب المودعين بأسعار تنافسية أعلى صعدت معها كلفة الأموال وتقلصت هوامش الربحية اكثر. وما زاد الطين بلة عودة الاحتياطي الفدرالي الأميركي الى التطبيع النقدي بجملة أدوات، وفي مقدمتها رفع الفائدة، اذ في عام 2018 وحده بلغ الرفع 4 مرات. وبما أن معظم عملات الدول الخليجية مرتبطة في صرفها بسعر صرف الدولار، فكان لا بد من اللحاق بالفائدة الأميركية صعودا، مع تسجيل مرونة كويتية في هذا المجال، إذ إن بنك الكويت المركزي لم يلحق بركب الرفع بشكل منهجي، بل واكبه مرات ونأى بنفسه عنه مرات أخرى، ولكن هامشه يضيق، وبالتالي سيكون شبه مجبر على الرفع في المستقبل للحفاظ على جاذبية الدينار. ارتفاع التكاليف وفي خضم هذه المتغيرات، سجّلت إيرادات البنوك الخليجية نموا أقل من السابق. في المقابل، ارتفعت التكاليف لا سيما تلك المتعلّقة بقواعد الامتثال مع تطبيق معايير بازل الجديدة الخاصة بتعزيز الرسملة ونسب السيولة والملاءة والرفع المالي، ومع تطبيق معايير محاسبية جديدة، وزيادة جرعات تشديد أطر الحوكمة، فضلا عن تحد جديد كليا يتمثل بضرورة الاستثمار في الخدمات والمنتجات المالية الرقمية الجديدة. فالابتكارات التكنولوجية لرقمنة العمليات والأعمال باتت سمة اساسية من سمات التطور المصرفي وعصرنة القطاع ليستطيع البقاء في المنافسة. إلى ذلك، تضاف تكاليف ذات علاقة ببرامج الإصلاح الاقتصادي الذي تنفذه عدة دول خليجية، مثل فرض ضريبة القيمة المضافة وزيادة رسوم الخدمات العامة وتبعات تفعيل الخصخصة وتنشيط مشروعات الشراكة بين القطاعين العام والخاص. كل ما سبق ذكره فرض نفسه واقعا صعبا على القطاع المصرفي الخليجي الذي يعاني أصلا من تخمة في عدد وحداته قياسا بعدد السكان. ففي دول الخليج أكثر من 70 مصرفا مدرجا لعدد سكان لا يتجاوز 51 مليون نسمة. اما في بريطانيا على سبيل المثال التي عدد سكانها 65 مليونا، فليس فيها الا 12 مصرفا وطنيا. أما المصارف الأجنبية هناك، فهي لخدمة المركز المالي العالمي للعاصمة البريطانية. وفي فرنسا، يبلغ عدد اجمالي المصارف 56 مصرفا لعدد سكان يزيد على 67 مليون نسمة. وبالمقارنة مع هذين البلدين على الأقل نجد ان عدد المصارف الخليجية يفوق الحاجة المحلية الفعلية، ولهذه التخمة في عدد الوحدات المصرفية تداعيات مثل الصعوبة البالغة في النمو والتوسع في أسواق صغيرة نسبيا. أثر النفط وكان يمكن للعدد الكبير من البنوك أن يعمل ويربح وينافس عندما ترتفع أسعار النفط وتفيض السيولة من كل جانب. أما مع هبوط أسعار النفط للسنة الرابعة على التوالي، ومع توقعات للأسعار المستقبلية عند مستويات أدنى من السابق بالنظر الى عوامل كثيرة، أبرزها ثورة انتاج النفط الصخري الأميركي، وفوائض الإنتاج العالمي عموماً، فضلا عن بدائل للنفط بدأت بالظهور في عالم الطاقة، فإن كثرة المصارف ستورث تعثرات هنا وهناك لا محالة. توحيد الجهود وأكدت معظم الدراسات التي أجريت تمهيداً لاتمام عمليات الدمج المصرفية الخليجية أن الاندماج يخفض التكاليف الكلية ويوحّد الجهود لتحقيق أهداف أفضل على أكثر من صعيد، لا سيما رفع كفاءة العمليات بفعل نشوء وحدات مصرفية كبيرة قادرة على المنافسة وتستطيع مواجهة التذبذبات الاقتصادية التي تتعرض لها دول الخليج بين حين وآخر ارتباطاً بتذبذب النفط الذي يبقى أكبر مصدر للدخل، وبنتيجة هذا الاعتماد الكبير على النفط تتعرض الاقتصادات الخليجية الى تقلبات حادة وخطرة في معدلات نموها تبعاً لأسعار البترول العالمية. إلى ذلك، فإن خلق كيانات مصرفية كبيرة يخدم الاقتصادات الخليجية على نحو أفضل من الواقع الذي فيه تشتت وتخمة في تلك الكيانات. فالبنك الكبير بأصوله والمتوسع في حضوره والغني بخدماته ومنتجاته وحلوله التمويلية أقدر من غيره على تمويل المشاريع التنموية. ومعروف الآن أن الحكومات الخليجية تلجأ أكثر فأكثر إلى الاقتراض لتمويل انفاقها، لا سيما الاستثماري منه. ولن تجد أفضل من الكيانات الكبيرة والمليئة والقادرة على تعبئة السيولة اللازمة للقيام بأغراض التمويل بأرقام ضخمة تعجز عنها البنوك الصغيرة. ولمواكبة برامج الخصخصة ومشروعات الشراكة بين القطاعين العام والخاص تحتاج دول الخليج الى مصارف كبيرة الحجم قادرة على التمويل الهائل المطلوب لانتقال قطاعات واسعة من الإدارة الحكومية إلى الاستثمار الخاص. تقليل الاعتماد على المصارف العالمية وبقيام تلك الكيانات المصرفية الخليجية الكبيرة نسبياً يقل الاعتماد الى حد ما على المصارف العالمية في التمويل وقيادة الصفقات والاستشارات والخدمات الاستثمارية على أنواعها. فتلك المصارف الدولية تحصد سنوياً صفقات بعشرات المليارات إن لم نقل بمئات المليارات لقاء خدمات تمويل وإدارة أصول واستشارات وغيرها من العمليات التي يمكن لمصارف خليجية القيام بها خصوصاً اذا كانت كبيرة برساميل ضخمة. وهذا ما يمكن الوصول اليه مع الاندماجات الجاري تنفيذها الآن في كل دول مجلس التعاون بلا استثناء. وبذلك ترتفع مساهمة البنوك الخليجية في اقتصادات بلدانها، كما يخدم ذلك أهداف تنويع مصادر الدخل وتنويع الاقتصاد وخلق فرص للعمالة الوطنية التي تعجز الحكومات أكثر فأكثر عن توظيفها في القطاع العام بالنظر الى الأعباء المتراكمة على الميزانيات العاجزة. كما أنه في الكيانات الكبيرة تزداد الإنتاجية وترتفع الملاءة لتتحول تلك الكيانات الى قاطرة لقطاعات أخرى ونماذج أعمال تُحتذى بفعل اسهاماتها في رفع تنافسية الاقتصاد عموما وصعود مساهمتها في الناتج، وبالتالي يتحقق معها هدف توسيع دور القطاع الخاص في التنمية عموماً. أفضل تسعير كما أن الكيانات المصرفية المدمجة بفعالية والمتكاملة افقياً وعامودياً والقادرة على خفض تكاليفها ورفع إيراداتها ستستطيع الوصول الى أفضل تسعير تنافسي لخدماتها التمويلية وغير التمويلية، وسيسهم ذلك في خفض تكاليف الإنتاج عموما، وبالتالي تنشأ صناعات قادرة على التوسع بتمويل ميسر وتسهيلات أكبر، أي أن لنجاحات الاندماج، مفعول العدوى الإيجابية لتشمل قطاعات أخرى غير مصرفية. وتسجيل نجاحات كهذه يعزز ثقة المستثمرين والمساهمين وينتج عنه تطوير إضافي في أسواق مال جاذبة أكثر وعميقة بشكل أفضل وسائلة على نحو جيد تتجدد وتتنوع فيها أساليب التمويل والاستثمار. ناهيك عن أن تلك الوحدات المدمجة ستصبح قادرة على التوسع الخارجي لتنافس على المستوى الدولي وتسهم في تعبئة رساميل عالمية وإدخال عملات صعبة تحتاج اليها موازين المدفوعات الخليجية الآن أكثر من أي وقت مضى، لأن زمن النفط الغالي قد يكون ولّى الى غير رجعة لتقوم بدائل دخل أكثر استدامة من قطاعات أساسية مثل القطاع المصرفي والمالي الذي جعل من لندن ونيويورك على سبيل المثال لا الحصر أكبر مراكز مالية في العالم، تدر على بلدانها إيرادات أفضل من إيرادات النفط. وفي هذا السياق أيضا تتعين الإشارة الى ان العولمة الاقتصادية عززت اتجاه تحرير الخدمات المالية العابرة للقارات، لكن السيطرة في تلك الخدمات تبقى للبنوك الغربية، ولا يليق الحضور المصرفي الخليجي على المستوى الدولي بما لبلدان الخليج من حضور اقتصادي مرموق بفعل الثروة النفطية، وما لديها من أصول مالية بعشرات التريليونات من الدولارات في الصناديق السيادية والاستثمارات الاخرى التي تديرها بنوك عالمية ولا تحظى البنوك الخليجية الا بفتات منها بسبب صغر حجمها وقلة توسعها الدولي. ولا يتحقق الحجم الأكبر والتوسع الجغرافي الاكبر الا بالاندماجات الخالقة للكيانات الكبيرة القادرة على المنافسة محليا وإقليميا ودوليا. عمليات اندماج نفذت أو يجري تنفيذها ــ الإمارات: بين أبو ظبي الوطني والخليج الأول لتشكيل بنك أبو ظبي الأول بقيمة أصول ستبلغ 182 مليار دولار. وبين أبو ظبي التجاري وبنك الاتحاد الوطني وبنك الهلال (الاسلامي) لتكوين كيان أصوله 110مليارات دولار. ــ السعودية: بين البنك السعودي البريطاني والبنك الأول لتشكيل بنك مدمج أصوله 75 مليار دولار. ودراسة اندماج بين البنك الاهلي التجاري «اسلامي» وبنك الرياض «تقليدي». ــ قطر: بين بنك بروة وبنك قطر الدولي وبنك الريان لانشاء بنك إسلامي بقيمة 22 مليار دولار. ــ عمان: بين الوطني العماني وبنك ظفار بقيمة 20 مليار دولار وبين العز الإسلامي وعمان العربي بقيمة 7 مليارات دولار. ــ البحرين: بين البحرين الوطني والبحرين الإسلامي بقيمة 12 مليار دولار. ــ دبي ــ تركيا: بنك الامارات دبي الوطني يسعى للاستحواذ على بنك تركي يضيف أصولاً بقيمة 93 مليار دولار إلى البنك الإماراتي. ــ الكويت ــ البحرين: مشروع اندماج بين بيت التمويل الكويتي والبنك الأهلي المتحد لتشكيل كيان أصوله نحو 93 مليار دولار.

مشاركة :