كيف برعت الصين تكنولوجيا؟ الإصرار وسياسة النفس الطويل

  • 2/3/2019
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

كانت هناك ضجة بسيطة عندما اشترت شركة نافتيك NavTech الصينية الخاصة شركة سيلكس مايكروسيستمز Silex Microsystems في عام 2015، واكتسبت بذلك مهارة الشركة السويدية في تصنيع أجهزة قياس التسارع، وأجهزة الجيروسكوب، وغيرها من أجهزة الاستشعار المجهرية. شركة نافتيك، المتخصصة في تكنولوجيا الملاحة الجوية والأقمار الصناعية والدفاع، أعلنت بعد فترة وجيزة أنها ستبني مصنعا بقيمة 300 مليون دولار في بكين "يعتمد على تكنولوجيا سيلكس" في الأنظمة الكهروميكانيكية الدقيقة MEMS، المكونات نفسها المضمنة في الرقائق التي أصبحت أساسية لكل شيء من الهواتف المحمولة والأجهزة الطبية إلى السيارات ذاتية القيادة. لكن الاستحواذ على "سيلكس"، من خلال سلسلة من الشركات القابضة الاستثمارية، شاركت فيه صناديق صينية حكومية. والمصنع الجديد يقع في منطقة صناعية تديرها الدولة، وقد دعمه صندوق لأشباه الموصلات تديره الدولة، هو "بيجينج إنتجريتيد سيركيتس"Beijing Integrated Circuits. هذا مثال رئيس يوضح الطريقة التي حصلت بها الصين على التكنولوجيات الرئيسة، في الوقت الذي تسعى فيه إلى أن تصبح منتجا عالميا لرقائق الكمبيوتر. الكفاءة في الأنظمة الكهروميكانيكية الدقيقة MEMS هي جزء من جهود بكين للحد من وارداتها من المكونات الأساسية، وهي استراتيجية أطلقت عليها اسم "صنع في الصين 2025"، بذلت الحكومة لأجلها مئات المليارات من الدولارات. قال لانس نوبل، محلل في شركة جافيكال دراجونوميكس للأبحاث في بكين "مع مشاركة عدد من الصناديق الفرعية في (...) إبرام صفقات، ليس من المستغرب أن نجد بعض الكيانات التي تقدم نفسها مستثمرين من القطاع الخاص يتم تمويلهم جزئيا من صناديق مرتبطة بالدولة". توماس باور، نائب الرئيس الأول في "سيلكس"، قلل من أهمية المخاوف، واصفا الاستحواذ الذي نفذته "نافتيك" بأنه تدبير "مالي محض" سمح لـ "سيلكس" بزيادة الأموال التي تحتاج إليها للتوسع في سوق أساسية. قال: "أجرت شركة سيلكس أبحاثا ذات صلة باستخدام شركات استشارية متخصصة، وخلصت إلى أن مهارة شركة سيلكس في تصنيع رقائق الأنظمة الكهروميكانيكية الدقيقة لا تشمل أي تكنولوجيا تخضع لقوانين التصدير". شركة سيلكس ـ أكبر الشركات المنافسة لها هي "إس تي مايكروإلكترونيكس" الأوروبية، و"تيليديان دالسا" الكندية، "تي إس إم سي" التايوانية ـ ليست الشركة السويدية الوحيدة المتخصصة في الأنظمة الكهروميكانيكية الدقيقة التي يتم شراؤها في السنوات الأخيرة من المستثمرين الصينيين بتمويل من الدولة. في كانون الثاني (يناير) 2017، تم شراء شركة نورستيل السويدية لأشباه الموصلات مقابل مبلغ لم يكشف عنه من قبل "آن شين كابيتال"، وهو صندوق استثماري حجمه 50 مليار رنمينبي (7.4 مليار دولار) مملوك لحكومة إقليم فوجيان وصندوق بيجينج إنتجريتيد سيركيتس الذي يبلغ حجمه 21.8 مليار دولار. شركة سانان أوبتوإليكترونيكس، وهي شركة خاصة تدير الصندوق من فوجيان، كانت أيضا وراء محاولة فاشلة عام 2016 لشراء "أيكسترون"، الشركة الألمانية لتصنيع معدات أشباه الموصلات. وبحسب جيكر هيلستروم، المحلل في وكالة أبحاث الدفاع السويدية "هناك خطر أن تلتف هذه الاستحواذات على نظام مراقبة الصادرات السويدي. بالتالي ربما تساعد السويد دون قصد الجيش الصيني في تحديث قدراته". المسؤولون السويديون رفضوا التعليق، لكنهم أشاروا إلى تصريح لوزير الأعمال السابق، ميكائيل دامبيرج، لصحيفة "سفنسكا داجبلاديت" أعفى فيه الحكومة من أي انتقادات محتملة، قائلا: "مجلس إدارة الشركة وإدارتها هما المسؤولان عن الإدارة المستمرة لوحدات التشغيل في الشركة". ولم ترد شركة نافتيك ولا صندوق بيجينج إنتجريتيد سيركيتس على طلبات التعليق. تعدد الصناديق وأدوات الاستثمار المشاركة في صفقات أشباه الموصلات يوضح التحدي الذي يواجهه المنظمون في فحص الاستثمارات لحماية التكنولوجيا الحساسة أو المزدوجة الاستخدام. في عام 2017، حظرت هيئة الفحص الأمريكية Cfius محاولة من شركة كانيون بريدج كابيتال بارتنرز للاستحواذ على شركة لاتيس الأمريكية لأشباه الموصلات، لأن المستثمرين كانوا مدعومين من "تشاينا ريفورم هولدينجز"، وهي مجموعة حكومية تدير صندوقا لرأس المال الاستثماري بقيمة 30 مليار دولار. لكن ثمة صفقات أخرى تم تمريرها. "أومني فيجن"، وهي شركة أمريكية لأشباه الموصلات تصمم مستشعرات الصور، تم الاستحواذ عليها في عام 2015 من قبل مجموعة من المستثمرين الصينيين من بينهم "هوا كابيتال"، وهو صندوق أسهم خاص اشترك في إنشائه المساهم المسيطر في شركة تسينجهوا يوني جروب الرائدة في صناعة الرقائق. "أومني فيجن" لم تجب على طلب للتعليق. ساسة أوروبيون اقترحوا استحداث هيئة فحص تشبه Cfius لإعطاء بروكسل سلطة منع الاستحواذ الأجنبي على التكنولوجيا الحساسة. لكن معارضة عدد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أدت، وفقا لدبلوماسيين اثنين، إلى تقليص الاقتراح إلى "إطار للتنسيق". قال سون يونجفو، وهو مسؤول كبير سابق في وزارة التجارة الصينية: "في البداية كانت هناك فكرة لجعل الوثيقة ملزمة قانونيا، لكن لأن عددا من الدول عارضت ذلك، خاصة في أوروبا الشرقية، تغير الأمر". يقدم مسار "نافتيك" رؤى حول كيف تختارالسياسة الصناعية الصينية الفائزين، ومن ثم صقلهم من خلال الوصول إلى الفرص التجارية وأصول التكنولوجيا. مؤسس الشركة، يانج يان تشون، أكمل درجة الدكتوراه في الولايات المتحدة في عام 2001. وعاد إلى الصين وتم اختياره خبيرا في برنامج "ألف موهبة" لجذب المواهب من الخارج. بعد تأسيس شركة نافتيك في عام 2007 تم اختيار يانج للمشاركة في برنامج 863 الرائد في الصين لتطوير تكنولوجيات متقدمة بتمويل من الدولة. وبحلول عام 2011 كانت شركة نافتيك تبرم عقودا لتوريد مكونات لمشاريع مرموقة، مثل مشروع أبولو للسيارات الذاتية القيادة في شركة بايدو، ونظام بييدو للملاحة عبر الأقمار الصناعية الذي تديره الدولة، وهو المنافس الصيني لنظام تحديد المواقع العالمي الأمريكي. كذلك توفر "نافتيك" تكنولوجيا الملاحة للطائرات المسيرة الصينية والمقاتلات النفاثة، بما في ذلك الطائرة المقاتلة JF-17 Xiaolong التي ينتجها الجيش الصيني بالاشتراك مع باكستان. في عام 2015 وجدت الشركة فرصة ذهبية. في تموز (يوليو) استحوذت شركة جديدة تابعة لصندوق بيجينج إنتجريتيد سيركيتس، هي شركة روتونج لتكنولوجيات أشباه الموصلات، على شركة سيلكس عن طريق شركتها الفرعية "جي أي إي ليمتد". قبل ذلك بشهر، جمعت شركة نافتيك 48 مليون دولار في طرح عام في بورصة شانغهاي. وبحلول نهاية العام أكملت استحواذها على "جي أي إي" وبالتالي على "سيلكس". صندوق بيجينج إنتجريتيد سيركيتس استثمر فيما بعد 600 مليون رنمينبي (90 مليون دولار) من أجل مصنع الأنظمة الكهروميكانيكية الدقيقة الجديد في "نافتيك". بعد أقل من عامين، أصبح تصنيع الأنظمة الكهروميكانيكية الدقيقة أسرع مصدر بالنسبة إلى "نافتيك" لزيادة إيراداتها ـ قفزت عائداته نحو 175 في المائة إلى 315.3 مليون رنمينبي (47 مليون دولار) في ذلك العام.

مشاركة :