متقاعدون لا يحلو لهم اللقاء إلا على أحد أرصفة مدينة أبا السعود القديمة بمنطقة نجران، يتنفسون فيه عبق التاريخ، ويتذكرون مواقف الماضي وأيام الصبا، ويوثقون علاقات الصغر باجتماعات مصغرة على الأرصفة لعلها تنسيهم وجع الأيام، ووخزات الألم، ومنغصات الحياة اليومية، ويتسلون بترديد أبيات من أشعار المتنبي والشافعي لما فيها من حكم. وأوضح المتقاعد حسين هيف أن من يلتقون هم في الغالب من التحقوا بالوظائف في آن واحد وأحيلوا إلى التقاعد في الفترة ذاتها. وقال: «نحن زملاء دراسة أيضا، نلتقي لتجاذب أطراف الحديث واستعادة ذكريات الماضي، وبإذن الله لن يفرق بيننا إلا الموت»، ويشير حسين بنبرة حزن إلى أن «الماضي كان جميلا بكل ما فيه، حيث كانت النفوس خالية من الشوائب، والمعيشة رخيصة، أما اليوم فاختلف الوضع تماما وأصبحت متطلبات ومشاغل الحياة مسيطرة على الأوضاع»، مبينا أنه أصبح لا هم لهم إلا تأمين متطلبات واحتياجات أسرهم على حساب سعادتهم. وأضاف: «بكل صراحة أنتظر لحظات اللقاء بزملائي المتقاعدين بفارغ من الصبر، لأنهم أصبحوا جزءا مهما جدا من برنامج حياتي اليومي، حيث أجد سلواي في لقائهم وتجاذب أطراف الحديث معهم، لأنهم مبدعون في سرد القصص والحكايات وحفظ أبيات من أشعار المتنبي والشافعي المليئة بالحكم والمواعظ». من جانبه قال المتقاعد محيي القحطاني إن اللقاء له طعم خاص، لأن العلاقات بينهم قديمة جدا، بدأت من الفصول الدراسية مرورا بالعمل إلى أن أحيلوا إلى التقاعد، مبينا أن الهدف من هذه اللقاءات مناقشة بعض المواضيع التي تهمهم، ومساعدة بعضهم البعض في حل كثير من المشكلات، والعودة إلى الماضي الجميل من خلال استحضار بعض مواقف الصبا وبدايات المرحلة الوظيفية. وذكر أن ما يجبرهم على افتراش الأرصفة هو عدم وجود نادٍ للمتقاعدين يحتضنهم ويجدون فيه ضالتهم والخدمات التي يبحثون عنها، مبينا أنهم يمارسون على الأرصفة بعض الهوايات القديمة مثل الرسم والخط، ونظم بعض الأبيات التي تكون في غالب الأحيان مكسورة لأنهم ليسوا بشعراء، ولكنه الفراغ الذي أجبرهم على محاكاة بعضهم البعض بهذه اللغة التي يرونها جميلة ومعبرة. وتناول يحيى البشري الحديث مبينا أنهم يلتقون بعد صلاة الفجر وبعد الفراغ من الذهاب بأبنائهم للمدارس، وأحيانا أخرى بعد صلاة العصر، مشيرا إلى اتصالات هاتفية تجري بينهم يحددون من خلالها مواعيد اللقاءات الأخرى. وطالب بأن يشملهم التأمين الطبي لأنهم قضوا سنوات طويلة من أعمارهم في خدمة الوطن، وأبدى استعداده وزملاءه للمساهمة في تقديم خبراتهم لأي إدارة أو جهاز حكومي وبدون مقابل، وقال إن بعض المتقاعدين يحضرون «نوتة» يخطون عليها بعض العبارات الوطنية، التي تحمل معاني كبيرة في حب الوطن والإخلاص للقيادة خاصة في هذه الظروف الصعبة المحيطة بنا والتي أثبتت أن المواطن السعودي يزداد صلابة وحبا لوطنه وإخلاصا لقيادته في أوقات المحن.
مشاركة :