عابد خزندار إلى رحمة الله | عائشة عباس نتو

  • 2/17/2015
  • 00:00
  • 19
  • 0
  • 0
news-picture

هذه تجربتي مع الكاتب عابد خزندار، تجربة تعلّمتُ منها الكثير. حالما أغادر منزلي صوب العمل -كل صباح- أخطفُ نظرةً على حروفه أينما يكتب ذلك العملاق. حروفه التي يتهافت عليها المهني، والمثقف، والعامل البسيط، حروفه لها رواج أكثر من مواد التجميل في حياتنا. يرسم حروفه مثل الستار الأبيض الذي يروح ويأتي في مكانه بوقع الريح الخفيف، يوزّع عباراته كطفل يوزع الهدايا على يمين الهواء، وعلى يسار الهواء بتكرار محبب، وباكتراث المحترفين القدامى. بلغني يومًا من ابنته صديقتي "منى" وكأنّ حروفها تخفي سرًّا، كتبت لها أسألها عن صحة كاتبنا، ردّت "بخير لكن ادعي له"، جرت لحظة صمت بيننا كأنها دهر، لحظة صمت تشبه صمت الشمعة، لحظة تشبه تمرير رسالة بريد من تحت الباب. بعد نبأ وفاته عدتُ أتفقّد تغريدات كاتبنا، فوجدت له تغريدة "بلغت الثمانين لكني متفائلاً"، أعجبت بتفاؤله وقوته جدًّا، كان يتحدث وكأنّه يعيش أبدًا، وكنت أتأمله بحزن عام لعلمي بمرضه، أعجبني ذلك العظيم تفاؤله، فكثير ممّن عرفتهم في مسيرتي متشائمون، يعيشون جفافًا حياتيًّا كأنهم ابتلعوا الهواء، يسجنون الزمان والمكان داخلهم. كان كاتبنا عابد ثابتًا كقاعدة رخامية لنافورة تغمر الحياة بالماء والوفاء، استمر يعيش بحواسّه، ويغرّد ويكتب لنا بعطاء سخيّ، ظل محبوبًا حتى آخر لحظة، رغم أنه كان يعيش بعيدًا عن الوطن في أيامه الأخيرة، كان صابرًا صبرًا يتجلّى بأبعاد أسطورية في حروفه، واستمر يكتب عن همومه وهموم الوطن، وتمكين المرأة ومشاركتها في التنمية في بلادي. بالأمس أعدت قراءة رثاءه في زوجته التي غادرت الحياة قبل عامين، لم يكن عندي الشجاعة أكمل ما بدأت، بدأت تمطر في الخارج، تذكرت أن حروف خزندار ذات نكهة مخلوطة بحب الحياة لكن حروفه لم ولن تموت!!. A.natto@myi2i.com

مشاركة :