قد يمر الواحد منّا بجوار أسوار المستشفيات ولا يلقي لما يدور بداخلها بالاً، وقد يسمع عن فلان الذي أدخل المستشفى منذ فترة وتمر هذه العبارة مرور الكرام على مسامعه دون أن يتفكر فيما يعيشه أصحاب الأسرة البيضاء من معاناة، ولا شك أن كبار السن ممن عركوا الحياة وحلبوا خلاصتها لديهم وانتهى بهم المطاف بين أيدي الممرضات والأطباء لهم الكثير والكثير من المشاعر التي تستحق أن تكون بمثابة الحكم التي يستفيد منها الأبناء. «اليوم» أرادت أن تقتحم أسوار المستشفيات وتدخل بعدستها لتكشف للقارئ عالماً من معاناة من يرقدون على الأسرة البيضاء، ويتلحفون الألم ويقتاتون على بقايا الأمل، ويعيشون القناعة بما كتبه الله عز وجل لهم. صورة ثالثة من صور الصبر على البلاء، وحياة متنقلة بين الرضا بما قسمه الله والرجاء فيما هو خير، بطلها المريض زكريا الهبدان الذي يسكن في محافظة الأحساء ويعمل هناك، ولم يتوقع في يوم من الأيام أن تقوده الأقدار التي كتبها الله عز وجل عليه إلى أقسام العلاج بالكيماوي في تخصصي الدمام. يقول زكريا «أنا من سكان محافظة الأحساء وأعمل هناك وكنت أعاني آلاما متقطعة ودوخة بشكل مستمر وتساهلت في الموضوع في بداية الأمر لأني لم أكن أتوقع أن الأمر خطير»، ويضيف قائلا «مع استمرار الآلام ذهبت إلى أحد المستفيات الخاصة في الأحساء وعملت الفحوصات اللازمة، ولم يتضح لهم أي شيء، مما جعلهم يقومون بإحالتي لمستشفى خاص آخر في الدمام ذي إمكانات أكبر، وذهبت إلى ذلك المستشفى وأجريت عددا من الفحوصات الطبية لمدة أربعة أيام ولكن للأسف لم يظهر شيء أيضا. وكنت مترددا في الواقع في قبول الخزعة التي تؤخذ عن طريق النخاع الشوكي كونها تتسم بالخطورة ولا يتقنها أي طبيب بل لا بد من وجود متخصص في أخذ العينة وبطريقة محترفة، لأن أي خطأ أو اجتهاد فيها حسب كلام الأطباء فإنه ربما يؤثر على الحبل الشوكي ويدخلني في أمور خطيرة أخرى، ولا أخفيكم أنني كنت أشك بوجود سرطان من خلال ردود أفعال الأطباء وطرق تعاملهم مع المشكلة ولكن لم أتأكد من ذلك، وعندما طلبوا مني عمل خزعة في الظهر وسحب عينة للتأكد ساورني الشك بشكل أكبر، وأجرى الأطباء لي في المستشفى الخاص بالدمام خزعة عن طريق الظهر وعندها تبين لي أن النخاع الشوكي نفسه مصاب بالسرطان! حيث ذكر الأطباء المباشرون لحالتي أن الخلايا الجذعية مصابة بسرطان ولا بد من البدء في العلاج في أسرع وقت، وهنا فضلت أن أتعالج في مستشفى حكومي متخصص حيث إن هناك عددا من المستشفيات المتخصصة لاستقبال هذه الحالات، ورفعت أوراقي إلى مستشفى الملك فهد بالهفوف وهو بدوره أحالني إلى تخصصي الملك فهد بالدمام، وفوضت أمري لله عز وجل وبدأت في عالم آخر من العلاجات الكيماوية». وعن تقبله للمرض يقول زكريا: «لا شك أن كلمة سرطان مخيفة فما بالكم إذا كانت في أماكن خطيرة وحساسة في جسم الإنسان»، مضيفاً انه «علاوة على ذلك تتطلب حالتي زراعة خلايا جذعية حسب كلام الأطباء»، ويقول أيضاً: «مهما تعقدت الأمور وصعبت على الإنسان الضعيف فإن لجوءه إلى الله تعالى وثقته به تخفف عليه الكثير من الآلام النفسية التي تعصف به». أما مطلق العتيبي فيقول «أرقد على السرير الأبيض لأكثر من ستة عشر يوماً وقد قرر لي الأطباء استئصال البنكرياس لوجود ورم فيه»، ويضيف قائلاً «تجربة الألم صعبة للغاية وقديما كانوا الآباء يقولون لنا مثلاً مفاده أن من يده في النار ليس كمن يده في الماء، ولا شك أن الإنسان يخاف كثيراً عندما يسمع كلمة ورم، بل ربما لا يتوقع أحدنا أنه ربما يكون في يوم من الأيام رهينة احد الأمراض الخطيرة في هذا العالم، ولكن ثقة المسلم بالله تعالى تجعله أكثر تقبلاً للمرض ويقينه بالخير الذي اختاره الله عز وجل له تقوده للرضا وإلا فالموقف مخيف ورهبة التنويم وانتظار التحاليل والأشعة هي الأخرى مخيفة كما أن بقاء الإنسان تحت ملاحظات الأطباء لمدة طويلة وملازمته للسرير الأبيض هي الأخرى تجعله يخاف من المستقبل المجهول الذي لا يعلمه إلا الله تعالى». ويضيف مطلق ان «كل مريض يصاب بداء مخيف لا بد أن يخلو بنفسه وأن يتحدث إليها لا سيما بعد انتهاء الزيارة، حيث تبدأ الوساوس تحيط به من كل جانب فضلا عن الملل الذي يحيط بغرف التنويم والقلق الذي يمد أجنحته في باقي أقسام المستشفى»، ويضيف قائلاً «تؤلمني كثيراً مشاهد بعض المرضى وهم يتوسلون إلى مرافقيهم أن يبقوا معهم، وأن يرضوا بأن يبيتوا معهم في سرير المرافقة وسط تذمر ورفض من بعض الأبناء الذين لا يرغبون في المرافقة، وإنني أقول لهم إذا لم تقف مع أخيك أو أبيك في هذا الظرف العصيب وفي هذه المحنة المؤلمة فمتى تقف معه»!. ويضيف قائلاً: «إذا كان المرافق يتذمر من البقاء مع المريض وملازمته له ويشعر بالملل فكيف بالمريض الذي يعاني المرض نفسه»، ويشير مطلق إلى أن بيئة المستشفى وطبيعة الأقسام داخله تجعل الفرد مجبراً على التعرف على بقية زملاء المعاناة- إن صحت التسمية– لكي يكسروا حواجز الرهبة من المستقبل المجهول. قسم التنويم الذي يرقد به مطلق مع زملائه
مشاركة :