فوضى الألقاب!!

  • 2/17/2015
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

(مثقف، مفكر، أديب، ناشط، ناقد)، هي ألقاب كمعاني الجاحظ، مطروحة على قارعة الطريق وبإمكان كل من شاء التقاطها والتجمل بها، فهذه الألقاب لا تمنح بشهادة رسمية ولا ترتبط بمهنة أو حرفة تجعلها مقصورة على أهلها كما هو الحال في ألقاب الطبيب والمهندس والمحامي وأمثالها مما لا يمكن لأحد ادعاؤها دون امتلاكه ما يثبت ذلك. لهذا بات من الأمور المألوفة أن تجد من لا يعرف ألف باء أساسيات النقد وأصوله ولم يسبق له أن اطلع ولا حتى على نظرية واحدة من نظريات النقد، لا يستحي أن يسبق اسمه بلقب ناقد. أو تجد من ليس له من المؤهلات سوى قدرته على خط الحرف ومواظبته على قراءة الصحف اليومية، إذا تحدث عن نفسه قال (نحن المثقفين)، أو تجد كل من كان خالي الوفاض من صفة يتميز بها يتأبط لقب ناشط يقدم لك نفسه به. أما الطامة الكبرى فهي أن تجد مرتديا لقب مفكر من لا يعرف ألف باء التفكير، وقد يكون قرأ كتابا أو كتابين أو نشر مقالا أو مقالين، فيظن في نفسه أنه بات ينافس هيقل ونيتشة وفولتير وروسو وأمثالهم في عمق الرؤية والتأمل، ولو سألته ما معنى نظرية لم يحر جوابا. ولعل الصحافة هي المتهمة الأولى في نشر هذه الفوضى التي تعم استخدام الألقاب، فما يغلب على كثير من المحررين والمراسلين العاملين فيها أنهم من فئة الشباب الغر المبتدئين ومعظمهم من غير المتخصصين ولا سابق خبرة لديهم في ما يكلفون بإعداده من تقارير وأحاديث ومقابلات، فيغدقون الصفات والألقاب منبهرين بما يسمعون وما يتلى أمامهم من ادعاءات. أما غيرهم ممن رسخت بهم القدم في المجال فإنهم غالبا يكونون ما بين مجامل يطمح إلى كسب صديق، أو (تاجر) يطمع في عقد صفقة تبادل (التمجيد)، أو متسلق يتطلع إلى صعود السلم عبر دفق الألقاب. انتشار الفوضى في منح الألقاب، أفقدها احترامها وقيمتها الفكرية فلم يعد لها وقعها السابق على الأذن، بفضل هذه الفوضى صار أدباء كطه حسين وأحمد أمين والزيات وأمثالهم من أعمدة الفصاحة والبلاغة العربية، يتشاركون في لقب أديب، مع ناشئ أو ناشئة نشر له بضع صفحات لو عرضت على مصحح لغوي لملئت باللون الأحمر. وصار مفكرون كبارا مثل زكي نجيب محمود والجابري واركون في مرتبة واحدة مع من لم يطلع على نظرية واحدة في الفكر ولا يعرف عن أفلاطون وأرسطو سوى وثنيتهما. هذه الفوضى التي تعم استخدام الألقاب من المسؤول عن ضبطها وتنظيمها؟ أليس من مسؤوليات الجهات المتخصصة كالنوادي الأدبية وجمعية الثقافة والفنون والجمعيات العلمية أن تضع معايير تحدد بها مواصفات لحمل اللقب؟.

مشاركة :