من أهم قواعد التحوّل الوطني التي يجب الاهتمام بها؛ هو أن تقوم كل وزارة بتطهير ساحتها من مظاهر الفساد، قبل أن تبدأ بالعمل للمستقبل، إذ لا فائدة من أي إصلاح وتطوير طالما وأن الأسس التي تنبني عليها ليست نقية بشكل كلي. وفي هذا الإطار يمكن الجزم بأنه لن يتأتَّى إصلاح الخلل في القطاع الصحي، الذي يعاني من تراكم أزماته، دون البحث منهجيًّا لتحديد أسباب التردِّي الحقيقية في خدمات القطاع الصحي بوجهٍ عام. ومن ثم إيجاد الحلول والمعالجات وفق مقتضياتها المنهجية. في جانب آخر، أؤمن بأن إصلاح البنية التعليمية من أهم القضايا التي يجب أن يهتم بها مشروع التحول الوطني، ذلك أن التعليم -كما هي الصحة- هما قواما أي نهضة صادقة لأي مجتمع من المجتمعات. وواقع الحال، فإن إشكالنا في تردِّي وضع بنيتنا التعليمية لا يقل هشاشةً عن بنيتنا الصحية. تجدر الإشارة إلى أن أكثر ما بات يُلفت النظر في محيط مجتمعنا الوطني، هو تفشي ظاهرة الألقاب العلمية بشكل غير دقيق، بل وبصورة مُتبجِّحة من قِبَل أولئك الوهميين في كثير من الأحيان، الذين لم يتورَّعوا عن تقديم أنفسهم بألقابهم العلمية الأكاديمية المزيّفة، دون أن يكون لهم أي حظ حقيقي فيها، بل الأدهى والأمرّ حين تكتشف أن كثيراً منهم لا يحمل درجة البكالوريوس أساساً، وإنْ حملها فقد حصل عليها بالتي واللتيا، والأسوأ أن ينجرف بعضهم إلى ذلك وقد قطع نصف المسافة بحصوله على درجة الماجستير، فتراه وقد تناسى قواعد الأمانة العلمية في حالة الفوضى المُعَاشة، وأَقْنَع ذاته أنَّ من حقه أن يُرقِّي نفسه علميًّا أسوة بغيره، بل لعلّه يجد مبرراً لتخدير إحساسه بتأنيب الضمير فيما لو استيقظ لسببٍ أو لآخر. هذا الأمر بأكمله يُمثِّل ظاهرة فساد مُعلنة في حق أي بنية تعليمية صالحة، ويتطلب على أي مسؤول يهدف إلى إصلاح وتطوير التعليم وفق أسس ومنهج، أن يُبادر إلى إيجاد التشريعات الصارمة لمعاقبة كل أولئك الوهميين الذين أفسدوا المشهد الثقافي والحياتي بتزويرهم وخيانتهم للأمانة العلمية. فجُرمهم لا يقل سوءًا وإفسادًا عن غيرهم ممّن نهب أو سرق، بل ربما أن جُرمهم أكبر من حيث حجم ومساحة الأثر السلبي الواقع على المجتمع. إنها أحد أهم بدايات تطهير التعليم في سبيل تحقيق أهداف مشروع التحول الوطني، فهل سنرى ذلك قريبًا يا معالي الوزير؟ مع الإشارة إلى أنه قد كتب في هذا المطلب الكثير من المقالات، والله المستعان. zash113@gmail.com
مشاركة :