بين «عزوفهم» و «رغبتهن» تأخر الزواج مشكلة «نسائية» في تونس!

  • 2/17/2015
  • 00:00
  • 31
  • 0
  • 0
news-picture

الوسادة خالية إلا من دموع تؤرق نوم نادية فيما تنام أعين الهانئين. تدق طبول الفزع في قلبها كل ليلة وكأن الزمن يدور حول الجميع فيحمل لهم الفرح وينساها. هل سأقضي بقية العمر وحيدة؟ ألن ألد طفلاً جميلاً يؤرق نومي ويزين صباحاتي؟ أين فارس أحلامي الذي اخترت له طوال سنين أجمل البدلات وأشهى العطور في خيالي؟ لمن سأقدم هدية فالنتاين هذه السنة؟ وتستفيق نادية صباحاً بعينين منتفختين وقلب مكسور وأمل شحيح. تضع نادية مساحيق التجميل على وجهها الشاحب وتلملم محتويات حقيبتها وتسرع الخطى نحو مكتبها. تفتح الستائر وتنكب على حسابات قديمة تراجعها، غير أن وجعاً يضغط على رئتيها فيضيق تنفسها. تضع يدها على صدرها وتطلق تنهيدة حائرة. تلقي نادية بدفاتر الحسابات وتفتح حسابها على «فايسبوك»، تتأمل قائمة أصدقائها طويلاً وتواصل دردشة لم تكتمل مع أحدهم، حول موعد شاي مؤجل. احتمالات العثور على «عريس» عبر مواقع التواصل الاجتماعي ضئيلة، ولكن لا ضير في المحاولة، وتكرار المحاولة ثم إعادتها. بعض الأمل يساعد في تمضية ساعات الضجر الطويلة. لا تحبذ التونسيات عموماً استعمال مصطلح «عانس» للدلالة على الفتيات اللواتي تأخرن في الزواج أو فاتهن قطاره. غير أن بعض وسائل الإعلام المحلية استخدم أخيراً هذه العبارة للحديث عن دراسة أكدت بلوغ عدد الفتيات العازبات في تونس سقف المليونين ونصف المليون. تعي نادية جيداً، وهي التي شارفت على الأربعين من العمر، أن فرص تحقيق حلمها في الزواج وتأسيس أسرة تتضاءل سنة تلو الأخرى، وفرصها في العثور على الحب المنشود أصبحت أيضاً شبه منعدمة طالما أن الحب في هذا البلد يجب أن يؤدي ضرورة إلى الزواج وإلا فإنه يصبح بمثابة «العبث». وتقول نادية: «لا يلقي البعض بالاً ليوم العشاق ولا أفعل أنا أيضاً، ولكن على رغم ذلك تلقي هذه المناسبة بكل ثقلها على قلبي وأشعر بالألم شأني شأن مليوني ونصف مليون تونسية، ولكننا نحتفظ بهذا الأمل اللعين الذي يخبرنا أن هدية يوم الحب ربما تأتي يوماً». ويقابل تأخر سن الزواج لدى الفتيات في تونس «عزوف» الشبان عن الارتباط والأسباب كثيرة، منها مثلاً طبيعة المجتمع المنفتحة التي تسمح بإقامة علاقات جنسية خارج إطار الزواج وإن بالخفاء. لكن هناك البطالة أيضاً التي تضاعفت نسبها بعد الثورة، وغلاء الأسعار وارتفاع تكاليف الزواج في شكل مضطرد، والاضطراب الأمني وغير ذلك من عوامل دفعت الشاب التونسي إلى تأجيل فكرة الزواج أو رفضها قطعياً، من دون أن يسبب هذا الأمر لغالبية الشباب حرجاً أو عقداً نفسية كما بالنسبة إلى الفتيات. وبين «عزوفهم» و «رغبتهن» يبقى تأخر سن الزواج مشكلة «نسائية» في شكل أساسي. وتقول نادية: «هذا المجتمع الغريب الذي يربط الحب بالزواج بالنسبة إلى الفتاة فقط، لا يوفر لنا بنية اقتصادية واجتماعية جيدة لتكوين أسرة مرفّهة ومتوازنة، كما أنه لا يترك المجال للفتاة لإطلاق العنان لمشاعرها وجسدها بحرية حتى تنفس عن رغباتها العاطفية والجسدية من دون أن تنعت بأوصاف سيئة». والفتاة التونسية نشيطة، متعلمة، تعمل بجد وتنافس الرجل في كل المجالات ولكنها لا تنافسه في حريته الجسدية والنفسية. وعلى رغم أنها مهتمة بالشؤون السياسية والاجتماعية والإنسانية، تعاني من وضعها كامرأة. فتراها مهما أنجزت، فستكون مضطرة في سن معينة إلى انتظار «عريس» يصنع منها «امرأة محترمة بعيون المجتمع» وينقذها من نظرات الشفقة التي تضعها في خانة «العاجزات عن الحب والفرح والأمومة» وفق ما تقول نادية. وتضيف: «آنسة في الأربعين؟ إنها المأساة». وتستطرد قائلة: «اختلف كاتبو الدستور الأخير في تونس حول عبارة «المرأة مكملة للرجل، لكنهم لا يعلمون أن الحب مكمل للمرأة».

مشاركة :