عشر سنوات مرت على جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق الشهيد رفيق الحريري، رجل كان «كبيرا» في حياته وكان مشهد اغتياله «مرعبا» لأن رجلا بهذه القامة والأهمية لم يتحمل أعداؤه فكرة بقائه لأنه كان يقزمهم ويحجمهم فكان قرار الخلاص منه بأي طريقة وبأي أسلوب وبأي ثمن ولكن بحيث لا يبقى له أثر فلا تكون محاولة اغتيال، ولكن تكون جريمة اغتيال مؤكدة، وهذا ما كان وما حصل. وانطلقت بعدها مجموعة دمشق و«زعرانها» في لبنان تمارس الاغتيالات المقننة الموقوتة على كل من كان يعارض وجودها في لبنان ويرغب في لبنان حر وكريم وسيد، وكان إعلام مجموعة دمشق و«زعرانها» يقول مرددا إن من قتل رفيق الحريري والذين معه ومن قتلوا من بعده هي إسرائيل. العجيب أن إسرائيل لا تقتل (بحسب نظريتهم الكوميدية) إلا من يعترض على وجوده من يروجون لأنفسهم بأنهم «مقاومة» و«أعداء إسرائيل» إنه حقا لتفسير ساذج للغاية! لم يتحملوا أن يظهر رجل بلا ميليشيات وبلا أيد ملطخة بالدماء وبلا هوى ونفس ومشروع طائفي حتى النخاع مثلهم فهو سيكشفهم ويفضحهم، لم يتحملوا ظهور رجل أرسل أكثر من أربعين طالبا مبتعثا للدراسة خارج لبنان من كل الطوائف اللبنانية بلا أي استثناء لم يتحملوا ظهور رجل وظف في شركاته وقنواته الإعلامية كوادر من كل الطوائف اللبنانية بلا استثناء أيضا، لم يتحملوا ظهور رجل كبير بقامة الحريري جل اهتمامه هو التنمية والتطوير.. رجل اهتم وكرس فكره لأجل البناء لا الهدم لأجل التعمير لا التكسير، كرس جل وقته وصحته لإبراز الجوانب الجمالية في لبنان الكلي بدلا من النظرة الضيقة التقليدية للسياسي اللبناني على دائرته ومنطقته وطائفته وعائلته وحزبه. كل هذه الصفات والمزايا ما كانت إلا لتفضح مشروعهم العنصري والطائفي، مشروع زرع الفتنة والتمزيق، مشروع تمزيق وتحجيم الخط الوطني للدولة وتفضيل خط ينتمي إلى ما يطلق عليه زورا وبهتانا «محور الممانعة والمقاومة» وهو في واقع الأمر ما هو إلا محور تبعية بالمطلق لمشروع تصدير ثورة الخميني الإيرانية المعروفة بولاية الفقيه، واغتيال الحريري ما هو إلا مرحلة ومحطة لافتة ضمن المشروع المذكور. عشر سنوات مضت على رحيل رجل أحب اللبنانيين جميعا وأعاد إلى بلاده مكانة وقدرا خارجيا، وأرجع بلده إلى محيطه العربي، فشهد طفرة سياحية واستثمارية لم يعرف مثلها لا قبلها ولا بعدها، وبرحيله «المتعمد» وإخراجه «المقصود» عن الساحة انزلق لبنان إلى أوحال التمزق والطائفية، وخطف البلد تحت تهديد السلاح، الذي يحمله فريق واحد يهدد به الكل، ويدعمه جار موتور مأمور من إيران. بلد الحريات لم يعد مسموحا فيه بأن يحكي أحد بالوطنية وإلا «بقص إيدو وبقطع لسانه للي بسترجي بنقد المقاومة»، هذه هي اللغة الجديدة المعتمدة للحوار السياسي في لبنان اليوم، والتي انعكست على قرارات الحوار بين حزب الله وتيار المستقبل، واتفق الطرفان فيها بعد بضع جولات على إزالة الصور واللوحات والشعارات السياسية والحزبية من كل الشوارع والمناطق، وعندما بدأ التطبيق لم يوافق حزب الله على الاقتراب من مناطقه في الضاحية الجنوبية ببيروت ولا منطقة البقاع ولا في الجنوب، وبذلك أحبطت الجولة الأولى في الحوار «الشكلي»، لأن كل خطوة من هذا النوع في واقع الأمر تكريس للفكرة المدنية لمشروع الدولة اللبنانية، وهو المشروع الذي كان حلما في مخيلة رفيق الحريري نفسه. عشر سنوات ولا يزال من يغتال مشروع الحريري ومن يذكي مخطط خطف لبنان، فريق يدعي المقاومة، ويحمي مجرمين مطلوبين للعدالة بتهم اغتيال مثبتة، ويجندون مرتزقتهم للقتال في سوريا وإبادة شعبها، والدفاع عن طاغية مجرم يحكمها غير عابئين بأوامر الدولة بالنأي عن النفس. لبنان بلد مختطف تماما بلا رئيس ولا استقلال تحكمه عصابة تهدده بالسلاح إذا لم يتبع أوامره، ويوميا لا يفزعهم سوى شبح رفيق الحريري يطل عليهم، يتعجبون كيف كسب كل هذه المحبة والاحترام دون بندقية ولا نقطة دم، بينما هم بعتادهم ودمائهم لم ينالوا إلا المهانة والسخط. رحمة الله على رفيق الحريري، وعلى من قتله كل جزاء من رب السماء.
مشاركة :