اسمها وردة ... وتشبه ابنتي!

  • 2/6/2019
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

إذا ذهبت إلى شارع المثنى في حولي بعد الساعة الثامنة مساء، والتقيت بفتاة جميلة بعمر عشر سنوات تتقافز كفراشة بين المقاهي وروادها، فقل لها:- السلام عليكم ياوردة!ولا تنسَ أن تهديها تحياتي، وقل لها: «يسلم عليك المجنون الذي يرد عليك السؤال بسؤال، المجنون الذي يجلس بجانب صديقه الدب المتين الذي أعطاك في مرة عشرة دنانير وقال لك:- لك دينار على كل سنة من عمرك!ستندهش الفتاة وتقول لك (أتعرفهم)؟».ابتسم واحذر أن تنفجر من الضحك، لأنها لا تحب أن يضحك الإنسان وحده من دون أن يشركها معه، لأنها في الواقع ملت السير وحيدة بين المقاهي المليئة بالضحكات والتشجيع لفرق أهدافها كلها في مرماها هي، وليس كما يتوهم الناس أنها في الشباك.ستقول لك:- في كل مرة - وعندما يصرخ الناس بسبب الأهداف - أخاف وأشعر أن قلبي سيخرج من مكانه، وأكره برشلونة جداً.ثم اسألها عن ألعابها في البيت وعن الحروف الأبجدية، وعن سبب كرهها للبرد وحبها للشمس واللون البرتقالي، وعن ماذا يحتاج المرء لكي يتعلم القراءة والكتابة، إذا ما قرر أهله أن يستخدموه بدلاً من الذهاب إلى المدرسة!ثم انصت لكلماتها لتجد فيها الطفلة وليس «السائلة».ولا تخف منها إذا مدت يدها نحو مشروبك الساخن، فإنها عادة تطلب الدفء ليس إلا.هي في ذلك اليوم وعلى غير عادتها، شكت لي تعب أقدامها قالت: المشي متعب ياعمو، سألتها: - منذ متى وأنت في الشارع؟تنظر إلى السماء بحيرة ثم تشير بيد واحدة وتقول:عندما كانت الشمس هنا!- وكم جمعتِ من الناس اليوم يا وردة؟تمسك كيس النقود بكلتا يديها وتنظر على استحياء حولها قائلة:- لا أستطيع أن أخبرك، أمي وأبي يغضبان من ذلك.تنظر إليك نظرة تشعر فيها أنها تقول لك «لماذا تحرجني،ألا تعلم كيف تخاطب سيدة»؟تخرج من جيب السترة الأيسر هاتفها الصغير، الذي يرن وتنظر في الشاشة، ثم تخرج من الجيب الآخر جناحي طائر حقيقيين، ترتديهما على عجل وتقول مودعة... يجب أن أنصرف!ترفرف ثم تختفي فجأة كما ظهرت فجأة. لا أدري من أخاطب بالتحديد وأنا أنقل لكم هذه القصة.هل أخاطب أهل الفتاة التي أعلم جيدا أنهم سيقولون:- وما أدراك بحالنا ومدى احتياجنا؟ فما تعرفه عنا يقزمه ما لا تعرفه، أنت لست أحرص عليها منا.أم أشير لك أنه في عام 2007 كتب السيد جاسم بودي مقالاً رائعاً لخص فيه كل نداء يمكن أن يقال أو يطلق وكان بعنوان «اسمه أحمد... عنوانه الكويت» وعرض فيه البيانات التي وصفها بأنها تختزل كل الجانب البشع في حياتنا، وتكشف زيف تحركاتنا الهادفة شكلاً إلى النهوض بدولة العدل والمؤسسات، بيانات تضع ختم الإدانة على صمتنا.الاسم: أحمدالجنسية: بدونالعمر: عشر سنواتالمهنة: بائع متجول... متسولمكان السكن: مجهولمكان العمل: شوارع الديرةالعنوان: الكويتثم أطلق صرخة حبر لتغيير هذه البيانات، ولكن يبدو أن أحداً لم يسمعها بسبب ضوضاء السياسة، حيث تبقى سجالات الساحات السياسية القاصرة عن ملامسة تجارة الاطفال في الشوارع، تجارة سياسية لا مكان فيها لا للإنسان ولا لطموحاته.عن نفسي أريد فقط أن أكتب عن وردة، من دون محاولة حل كل مشاكل العالم، ومن دون أن أطلق نداء لأحد، فقط أريد أن أكتبها.ولكن علينا أن نتوقف حالاً هنا لكي نشدد القول في أن - الأطفال عموما والأطفال المقهورين خصوصا - يجب ألا ينحنوا في الحياة إلا من أجل الكتابة والتعليم، أو كما قال باولو فيريري: نحن شعوب لا تنحني إلا للكتابة، ولا ينبغي لأي سبب أن يتنقلوا وينحنوا بين المقاهي والشوارع، وإشارات المرور وأمام مفترق الطرق.وأريد أن أتاكد من عدم وجود سوء فهم بيني وبينك عزيزي القارئ، فإذا كنت تعتقد أنني في هذا المقال أتكلم عن أطفال البدون وأطفال بعض الجاليات الوافدة المعدومة، فأحب أن أبلغك أن اعتقادك صحيح لا غبار عليه... فحقوق الأطفال لا تجزأ... فالأطفال هم الأطفال بلا قوميات وجناسي.@moh1alatwan

مشاركة :