يزداد الحراك السياسي بالعراق في أروقة البرلمان هذه الأيام للمطالبة بإلغاء اتفاقية الإطار الاستراتيجي الموقعة بين بغداد وواشنطن في 2008. والتي جاءت في أعقاب تحرك عسكري أمريكي كثيف في قواعد عسكرية من أقصى غرب البلاد وحتى جنوبها بشكل تدريجي، فضلا عن محاولة طرح جديدة لمسألة الوجود العسكري في شوارع العاصمة بغداد ومدن كانت تعد معقلا لمقاومة الوجود الأجنبي ومنها الفلوجة. وبالرغم من أن بعض الاتهامات الحزبية والنيابية وجهت سهامها إلى التيار الصدري بالتواطؤ مع الجانب الأمريكي على حساب الوجود الإيراني الذي يبسط سيطرته على جميع المدن العراقية، حتى الحدود الغربية مع سوريا، لكن أول دعوة تطرح في أروقة البرلمان جاءت من رئيس الكتلة الصدرية بالبرلمان النائب صباح الساعدي، عندما قدم مقترحا لرئاسة البرلمان بالتصويت على إنهاء الاتفاقية الأمنية (المعنية بتنظيم عملية الانسحاب الأمريكي من العراق)، وإلغاء القسم الثالث من اتفاقية الإطار الاستراتيجي (المعنية بتنظيم عملية التعاون العسكري والأمني بين العراق وأمريكا) الموقعتين بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية في 2008 في زمن حكومة نوري المالكي الأولى، وأعقب ذلك عملية جدولة للانسحاب العسكري الأمريكي، انتهت بالانسحاب الفعلي في 31 ديسمبر 2011. وفي الوقت ذاته انتقدت العديد من الأطراف السياسية العراقية الانسحاب العسكري الأمريكي، واعتبرته خطأ جسيما ارتكبته إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، ويتماشى رأي سابق مع رئيس البرلمان العراقي الأسبق أسامة النجيفي، في أن الانسحاب يمثل في جوهره تنصل واشنطن من التزاماتها تجاه العراق، كونها تركت البلاد في وضع غير مستقر، وكانت نتائج ذلك تدهور الوضع الأمني، ودخول تنظيم داعش مطلع 2014 في المحافظات الغربية من العراق بمساحة تزيد على ثلثي مساحة العراق الإجمالية، ودمر كل شيء واستمر حتى نهاية 2017. والولايات المتحدة توجد في الوقت الحاضر عسكريا في قاعدتي (عين الأسد وk2) في الأنبار، فضلا عن معسكرات على حدود العراق مع سوريا، وقاعدة التاجي شمال بغداد، والصينية، والشرقاط بصلاح الدين، ومطار البكارة في الحويجة جنوب كركوك قرب حقول النفط، وقواعد في الموصل وأربيل. وبطبيعة الحال فإن الوجود العسكري الأمريكي الحالي والذي يتزامن مع تصريحات أمريكية معادية لإيران، يشكل تهديدا لأصدقاء إيران في العراق في ظل غياب التنسيق بين الإدارة الأمريكية والحكومة العراقية التي لم تحظ برسالة مباركة عند تشكيلها قبل 100 يوم من الآن، باعتبارها جاءت بتأثير إيراني، كما أن زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لقاعدة عين الأسد في الأنبار غربي العراق في 26 ديسمبر 2018 من دون اللقاء بالمسؤولين العراقيين، فضلا عن جولة نائب قائد القوات الأمريكية بشوارع بغداد، وتزايد الانتشار العسكري في أكثر من مكان من البلاد، دفع العديد من القيادات السياسية والبرلمانية إلى استنكار التوجهات الأمريكية الجديدة، والمطالبة بإلغاء الاتفاقية الأمنية، أو تعديلها. وتعليقا على هذا الوضع، يقول الكاتب والمفكر حسن العلوي: إنه باستثناء الأحزاب التي تضم فصائل مسلحة، وهي التي وضعت تحت وطأة قرارات الكونجرس الأمريكي بالحظر، فإن البقية يرحبون بالوجود الأمريكي، ويبحثون عن تدابير، ألا تجعل العراق ساحة للصراع بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران. ولا يتوقع أن يحقق البرلمان العراقي النصاب الكامل، عند تشريع قانون يلزم القوات الأمريكية بالانسحاب من العراق، إذ إن لأمريكا حلفاء وأصدقاء يرحبون بوجودها، مثلما لإيران أصدقاء يدافعون عنها، لكن قد تحدث متغيرات سياسية جديدة عبر اتصالات من تحت الطاولة بين الخصمين (واشنطن وطهران) للتفاهم على قضايا تخص شأنهما، وسيكون ذلك، إن لم يكن في ضوء اتفاقات كهذه على حساب مصالح العراق، أو بمعنى آخر ضده، فالأمر قد يحقق استقرارا أفضل للعراق.
مشاركة :