الدوحة - يُرجع خبراء الأمن والدفاع إقبال قطر على عقد صفقات تسلّح باهظة الثمن وفائضة عن حاجتها إلى ما يعتبرونه حالة من القلق النفسي والشعور بالعزلة تدفعها باستمرار إلى البحث عن حلفاء خارج حاضنتها الطبيعية الخليجية والعربية عبر أقصر طريق، وهو ضخّ أموال في قطاعات حيوية لاقتصاديات دول كبيرة من بينها قطاع صناعة السلاح الذي يعرف باستمرار تنافسا شرسا على الفوز بحصص في السوق العالمية، لكنّ دوره يظلّ كبيرا في جلب الأموال وخلق الوظائف. ويستبعد هؤلاء الخبراء وجود غاية دفاعية مباشرة وراء إقبال قطر على اقتناء معدّات عسكرية متطورة تفوق حاجة قواتها المسلّحة محدودة العدد وقدرتها على استخدامها. وبرزت مجدّدا الغايات السياسية وراء صفقات التسلّح القطرية، مع الإعلان عن قرب تسلّم الدوحة لعدد من الطائرات دون طيار من تركيا، وذلك غداة الإعلان عن تسليم فرنسا لدفعة أولى من طائرات رافال المقاتلة ضمن صفقة كانت قد تعاقدت عليها مع قطر. وتستعد تركيا لتسليم قطر ستّ طائرات دون طيار من طراز بيرقدار ضمن صفقة وُقّعت بين الجانبين عام 2018. والصفقة الموقّعة بين القوات المسلّحة القطرية وشركة بيكار التركية لصناعة الطائرات، على هامش معرض ومؤتمر الدوحة للدفاع البحري ديمدكس 2018، تضمّنت 6 طائرات دون طيار، ومحطات تحكم، فضلا عن الأدوات والمعدّات التقنية واللوجستية الخاصة بهذه الطائرات.وشهدت العلاقات القطرية التركية خلال السنوات الماضية تطوّرا بالغ السرعة، على أرضية تقارب أيديولوجي بين نظامي البلدين وشراكة في دعم الإسلاميين المتشدّدين وإيوائهم وتوفير أرضية لهم للنشاط ضدّ بلدانهم، على غرار عناصر جماعة الإخوان المسلمين الملاحقين بتهم الإرهاب في عدّة بلدان. وازدادت العلاقة القطرية التركية متانة بعد مقاطعة أربع دول عربية هي السعودية والإمارات ومصر والبحرين لقطر بسبب دعمها للتشدّد والإرهاب، حيث رأت الدوحة في أنقرة ملاذا من العزلة ما أتاح لتركيا فرصة للوصول إلى الأموال القطرية الوفيرة المتأتية من بيع الغاز الطبيعي، خصوصا في ظلّ الصعوبات التي عرفها الاقتصاد التركي والتراجع في قيمة الليرة. وبيع المعدّات العسكرية التركية لقطر هو إحدى بوابات تدفّق المال القطري على أنقرة، بالإضافة إلى صفقات في عدة مجالات أخرى وهبات مالية مباشرة من الدوحة لأنقرة. وخلال الصيف الماضي، وفي أوج أزمة الليرة التركية وتهاوي قيمتها إلى مستويات غير مسبوقة، سارعت قطر إلى ضخّ مبلغ 15 مليار دولار في السوق الاستثمارية التركية لانتشال الاقتصاد التركي من حالة الركود.وضمن صفقة الطائرات دون طيّار أنهى فريق قطري مكون من 55 شخصا دوراته التدريبية لاستخدام الطائرات المذكورة، والتي خضع لها في تركيا على يد فريق من مهندسي وخبراء شركة بيكار. وفي نهاية الدورة التي استمرت أربعة أشهر تخرّج جميع أفراد الفريق القطري منهم قائد للطائرات دون طيار المسلحة، وموظفو صيانة وغيرها من المهام المتعلقة بطائرات بيرقدار تي.بي.تو. وقطر هي أول مشتر خارجي للطائرات المذكورة التي من الصعب عليها المنافسة في سوق هذا النوع من الطائرات بحضور مصنّعين عالميين أقدر من تركيا على تحقيق معادلة السعر والتقنية المتطورة والكفاءة العالية في الأداء، لكنّ عامل المنافسة يغدو ثانويا في مثل هذه الصفقات التي تعقدها قطر لغايات ثانوية غير الغاية الدفاعية المباشرة، مثلما يؤكّده الخبراء. وينطبق الأمر ذاته على بلدان أخرى تتنامى “صداقتها” مع قطر على أساس العوائد المادية الكبيرة التي تجنيها من تلك “الصداقة”. وتسلّمت قطر الأربعاء دفعة أولى من مقاتلات رافال الفرنسية تنفيذا لصفقة مع شركة داسو الفرنسية لصناعة الطائرات كانت الدوحة اشترت بموجبها 36 طائرة مماثلة. Thumbnail وكانت قطر طلبت بادئ الأمر شراء 24 مقاتلة رافال متعددة المهام في 2015 قبل أن تطلب شراء 12 مقاتلة إضافية منها العام الماضي، ليرتفع بذلك عدد مقاتلات رافال التي طلبت الدوحة شراءها إلى 36، علما بأن العقد يتيح لقطر شراء 36 مقاتلة إضافية. ولا يبدو أنّ هناك مستجدات أمنية ودفاعية حتّمت على قطر الزيادة في عدد الطائرات التي تريد شراءها من فرنسا، لكن وُجدت مستجدّات سياسية تتمثّل بمقاطعة الدول الأربع للدوحة والانتباهة الدولية الكبيرة بما في ذلك في أوروبا، وبالداخل الفرنسي لدور قطر في دعم التشدّد والإرهاب في عدّة مناطق، من بينها مناطق مؤثرة في مستوى الاستقرار في أوروبا ذاتها مثل سوريا وليبيا. وتوجد أسباب مادية قوية لدى عواصم عالمية لغض الطرف عن السلوكات القطرية، رغم تشكيّات الساسة والحقوقيين ونشطاء المجتمع المدني المناهضين للتشدّد. وخلال السنوات الماضية واجهت صناعة السلاح الفرنسية عدّة مصاعب في المنافسة على حصّة من السوق العالمية، بلغت ذروتها مع إلغاء الهند صفقة كانت تعتزم عقدها لشراء طائرات مقاتلة من فرنسا.
مشاركة :