كم يبدو مؤلماً أن يسقط مشعل فيلحق به مشاعل أضاءت لنا دربنا، مشعل يسقط وراء مشعل كما سقط الجاسر والجهيمان وسلسلة جميلة من الرواد الذين فتحوا لنا أبوابا كانت شبه مغلقة، وأخذونا حيث التنوير الفكري والادبي والاجتماعي وعانوا الكثير. كم صدحوا دفاعا عن حقوق للمحتاجين من صحة وتعليم وبيئة، ودفاع عن حق المرأة بالتعليم، وابلوا بلاء حسنا، كما دافعوا عن حقوق العمال والمستضعفين . هذه المشاعل ننتظر أيادي تتلقفها وتعيدها إلى لمعان أكبر ونور ينتشر فيما حولنا. نعم تطور الزمان ومع تطوره نال الكثيرون حقوقا، خاصة مع الوفرة الاقتصادية، ولكن الحقوق والواجبات تتوالد كما تتوالد الثواني، لذا تبقى الدورة البشرية في حياة سعيدة مع العدل والحرية والمساواة ودحر الفساد أينما وجد وتحت أي سماء، وكشفه حتى ولو غلف بألف أداة تجميل، من هنا بقيت ضرورة استمرار وجود المشاعل تنتقل من يد لأخرى. عابد كان مثالا للمواطن المعجون بحب وطنه ويتمنى رفعته بمصاف الأمم، على الرغم من خلفيته الثقافية العلمية والغربية فإنه كان اديبا ومفكرا عربيا وفيلسوفا. سقط أستاذنا عابد خزندار والقلم بيده تماما كما يسقط الجندي محتضنا سلاحه . عزاؤنا لآل خزندار ونخص الأستاذة شادية ونشارك جميع محبي أستاذنا ومعلمنا خزندار، بل نعزي الفكر والأدب العربي كله بهذا الفقيد الشجاع الذي صاغ حروف العبارات النقية. حقيقة كم أخجلتنا هذه القامة ونحن كثيرا ما تأخرنا عن التزاماتنا الكتابية، بحيث تحكمنا ظروفنا لا نحكمها. وهو يكتب حتى رمقه الأخير. أستاذنا عابد خزندار سنفقد طلته في صفحة المقالات بهذه الجريدة، تلك التي تقابلنا يوميا، تناقش قضايانا، ومع قضايا فكر وأدب لغة جزلة مختصرة يحبها المتلقي وتفتح له بابا نحو الاستزادة، ولعل كُتاب الرياض يشاركونني قراءتها حتى قبل التأكد من نشر مقالتنا.. خزندار رحمه الله وأجزل له الثواب، كان محفزا لزيادة الاطلاع والاستفادة، فهو كمن يفتح بابا ويدعنا نلج اليه في داخله وعلينا الاكتشاف والبحث .. نحن جيل لم نعان كما عانى معلمنا وجيله، خاصة عندما يتصادم الفكر مع الواقع الاجتماعي، جيل الرواد قاسى الكثير ليس فقط المنع من الكتابة وهو أسهلها، إنما السجن والمنع من السفر، والمراقبة، كانت هناك قضايا عامة لا يجوز الولوج فيها، وهناك كلمات وعبارات غير مسموح ترديدها أو الكتابة عنها، في إحدى مقالاته يقول إنه التقى بالجهيمان في السجن . وربما غيره، فكان السجن مدرسة أخرى لهم. انه يستحق منا استمرار الذكرى عبر جائزة باسمه أو قاعة لناد أدبي أو بجامعة، كما يتدارس فكره ومؤلفاته ضمن بعض المناهج . ان المشاعل عندما تختفي يبقى ظلها على الأرض آثارا منقوشة في الفكر والعقل. رحم الله كاتبنا وأديبنا ومفكرنا رحمة واسعة وأجزل له الثواب وعوض الفكر والأدب خيرا بمشاعل جديدة شابة تجدد وتنتج أكثر. حقا كان ركنا جميلا في ثقافتنا.. نستودعه الله.
مشاركة :