من الشخصيات الأساسية التى عملت على مكافحة الفساد فى القرن الأول للمسيحية، يوحنا المعمدان. عند تجاوب الناس مع كرازته بالتوبة، أتى إليه ثلاث مجموعات إليه، سائلينه: ماذا يمكن أن يفعلوا ليعيشوا حياة الاستقامة الحقة التى تبرهن على اختبارهم التوبة؟ لكن لم تكن إجابته لهم، بالانسحاب من المجتمع والاعتزال للصلاة، كما فعل جماعة أسينيى قمران فى القرون الأولى. بل قال لهم عليهم أن يضعوا حدًا للفساد الذى يمارسونه، ويتبعوا أسلوبًا جديدًا يعكس التغيير المتأتى من توبتهم. قال لمجموعة العشارين، الذين قدموا إليه. وهذه الفئة كانت مكروهة جدًا من الشعب اليهودى، لأنهم كانوا جباة الضرائب للنظام الرومانى الحاكم. فالحالة السائدة آنذاك أن رؤساء العشارين كانوا يتفقون مع الرومان على المبلغ المتوجب من جمع الضرائب، ليجعلوا من الباقى تجارة لهم من أموال الناس الفقراء، ثم يوظف رؤساء العشارين حولهم بعض العشارين الذين يقومون بجمع الضرائب من عامة الناس، والتى كانت تفوق قيمتها قيمة الضرائب المفروضة عليهم. وبالتالى كان العشارون يجنون الأموال الكثيرة بهذه الطريقة التى سمحت بالظلم والوشاية (الفساد الضرائبى). لكن يوحنا المعمدان لم يقل لمجموعة العشارين، بأن عليهم أن يغيروا وظيفتهم غير المرغوب فيها من قبل الشعب، لكنه قال: «لا تستوفوا أكثر مما فرض لكم» (لو3: 13). وبالتالى، قال لهم المعمدان: توبتكم يجب أن تغير أسلوب حياتكم وطريقة ممارستكم لجمع الضرائب فلا تحمّلوا الناس أعباء مالية أكثر من المطلوب بل كونوا أمناء فى جمع الضرائب، واستوفوا ما هو حق. يخبرنا البشير لوقا فى الإصحاح التاسع عشر، كيف غيرت التوبة حياة زكا الذى كان رئيسا للعشارين إذ بعد زيارة المسيح له فى بيته وإعلانه «بأنه قد حصل اليوم خلاص لهذا البيت لأنه هو أيضًا ابن إبراهيم»، وقف زكا وأعلن قائلًا: «ها أنا يا رب أعطى نصف أموالى للمساكين، وإن كنت قد وشيت بأحد أرد له أربعة أضعاف» (لوقا ١٩: 8). فزكا العشار قبل التوبة، كان ظالمًا واشيا استولى على الكثير من أموال المساكين. لكن بعد التوبة، تعهد بأن يعيد نصف أمواله للمساكين، وينصف الذين وشى بهم بارجاع أربعة أضعاف لهم. مجموعة ثانية أتت إلى المعمدان، فهى من فئة الجنود. ويعتقد بأنهم لم يكونوا رومانيين، إنما يعملون مع الرومان ويؤمنون الحماية للعشارين عندما كانوا يجمعون الضرائب. هذه الفئة كانت أيضًا محتقرة من الشعب، وقد اعتبروا عملاء للرومان. لكن بالرغم من النظرة السلبية إليهم، لم يطلب منهم المعمدان ترك وظيفتهم. بل قال لهم: «لا تظلموا أحدًا، ولا تشوا بأحد، واكتفوا بعلائفكم» (لوقا 3: 14). وقد أشار المعمدان من خلال نصيحته إلى الجنود، الذين لديهم إمكانية استخدام سلطتهم وأسلحتهم فى غير مكانها، إلى تجنب فعل ذلك. دعاهم إلى ضرورة تجنب مشكلة الفساد الكبيرة، كالتى تسود فى بلدنا، والتى يتحمل مسئوليتها أصحاب السلطة والنفوذ، الطبقة الحاكمة، صانعة القرار. يتبين من خلال الوثائق المقدمة على شاشات التلفزة، أنهم بدلًا من استخدام مناصبهم من أجل خدمة الناس، فإن الكثيرين منهم بستخدمونها فى غير مكانها. يستخدمونها من أجل مصالحهم الشخصية والطائفية. يتصرفون بأموال الناس، وأموال الخزينة العامة، دون نزاهة بحجة أنهم المسؤولون عن إدارة الدولة. لكن يقول لهم المعمدان: لا تستغلوا مناصبكم ووظائفكم من أجل مصالحكم الشخصية والربح المالي. لا تستغلوها للوشاية والافتراء على الناس وظلمهم، بل اكتفوا بما لديكم، واستخدموا مناصبكم ووظائفكم بنزاهة من أجل خدمة الناس. لقد طفح الكيل، وأصوات الفقراء تعلو، فاعملوا على مكافحة الفساد، لكى تجنبوا وطننا، النتائج الحتمية لثورة الفقراء والجياع.
مشاركة :