القس سهيل سعود يكتب: الفقراء معكم في كل حين

  • 3/2/2019
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

استخدم البعض قول المسيح هذا لمحاولة التبرير بل التهرّب بل إهمال الواجب المسيحى بمساعدة الفقراء. إلاّ أن المسيح يسوع، الذى فى حياته، وفى تعاليمه، وفى خدمته مدّ يدّ المساعدة للفقراء، ودعا لمساعدتهم، لا يمكن أن يقبل بإساءة تفسير قوله هذا. لهذا، لا بدّ لنا، أن نفهم السياق الذى نطق به المسيح بهذه الكلمات. يخبرنا البشير يوحنا، بأنه حينما كان يسوع وتلاميذه مدعوًّا للعشاء فى بيت لعازر، بعد أن كان قد أقامه من الموت. فإن أخت لعازر، مريم، أرادت أن تشكر المسيح وتكرّمه على عمله العظيمن بإقامة أخيها من الموت. فأخذت منّا من طيب نادرين خالص كثير الثمن، ودهنت به قدَمَى يسوع. فانتقد يهوّذا الإسخريوطى عملها هذا، قائلًا: «لماذا لم يُبَع هذا الطيب بثلاثمئة دينار، ويعطَى للفقراء؟» ويعلّق البشير يوحنا على قول يهوّذا، بتذكيرنا، أنه نطق بهذا القول، «ليس لأنه كان يبالى بالفقراء، بل لأنه كان سارقًا، وكان الصندوق عنده». ثم دافع يسوع عن ما قامت به مريم، قائلًا ليهوّذا ولمن افتكر مثله: «اتركوها.. إنها ليوم تكفينى قد حفظته»، معطيًا عملها له، بعدًا نبويًا لاهوتيًا، ارتبط بموته الوشيك، واقتراب ساعته يقدّم حياته من أجلهم على الصليب، إذ بحسب العادة اليهودية، كان يُمسح الميّت بالطيب.وبالتالى، فلا ضير من القيام بمبادرة، وإن كانت سخيّة لتكريمه بما أنه لا يزال معهم لفترة قصيرة. وعندها نطق بعبارته هذه التى أُسيء فهمها من قبل البعض، قائلًا: «لأن الفقراء معكم فى كلّ حين. وأمّا أنا فلست معكم فى كلّ حين» (يوحنا 12: 1-8).كيما نعرف ماذا قصد المسيح بقوله هذا؟ يجب ان نوجه أنظارنا إلى ملاحظتين أساسيتين:الأولى، نطق المسيح بهذه الكلمات أمام يهود، وهم أناس يعرفون المرجع الذى اقتبس منه تلك الكلمات من سفر التثنية. نطق المسيح بالكلمات الأولى، من قول معروف عندهم، وترك تكملته للسامعين. المرجع مأخوذ من سفر التثنية، والذى فى ترجمة البستاني-فانديك، نص على ما يلي: «لأنه لا تفقدُ الفقراء من الأرض. لذلك أنا أوصيك، قائلًا: «افتح يدك لأخيك المسكين والفقير، فى أرضِك» (تثنية15: 11). إن قراءة المرجع الأساسى الذى يُظهر كامل القول، يُظهر خطأ اساءة تفسير البعض، أن المسيح دعا إلى إهمال خدمة مساعدة الفقراء. بل على العكس، فمن عرف تكملة الآية، فإنه يرى أن المسيح دعا إلى الكرم وعدم البخل فى مساعدتهم. دعا إلى فتح اليد لمساعدة الفقراء والمساكينن فى أى مكان تواجدوا فيه. فى تعليقه، على هذا القول قال المصلح جون كلفن: «يجب ألا نعتبّر أن الفقر والفقراء أمرًا محتومًا فى المجتمع، فنأخذ من ذلك تبريرا لرفض مساعدتهم كونهم دائمًا موجودين معنا فى الأرض بل يجب أن نمد لهم يد المساعدة». وبالتالى كان كلفن حذرًا من أن يجعل من وجود الفقراء فى العالم أمرًا رومنطقيًا محتومًا. الملاحظة الثانية، تندرج ضمن إنتقاد يسوع لموقف يهوّذا الاسخريوطى،الذى يتضمن الكثير من المرائات والكذب. إذ بالرغم من أن قول يهوّذا فى الظاهر،»لماذا لم يُبَع هذا الطيب بثلاثمئة دينار، ويعطَى للفقراء؟»، يبدو وكأنه يولى اهتمامًا كبيرًا فى الفقراء، لكن حقيقة الأمر أن يهوذا، «كان سارقًا وكان الصندوق معه» (يوحنا 12: 6). فمن إدّعى مساعدة الفقراء، كان يسرق مالهم. ليس هكذا يكون الاهتمام بالفقراء، لا يكون بالكلام واللسان، بل بالعمل والحق. علّق بعض المفسّرين على قول يسوع، «لأن الفقراء معكم فى كلّ حين» (يوحنا12: 1-8)، على أنه نبؤة عن صعوبة حلّ مشكلة الفقر فى العالم، وذلك بسبب أنانية البشر الحكومات، التى بدلًا من أن تهتم بالفقراء، اهتّمت بأنفسها. لهذا زاد الفقير فقرًا، والغنى زاد غنى. إن الحقيقة التاريخية هى أن برامج الإغاثة الإنسانية فى العالم لم تكن ناجحة حتى اليوم فى إنهاء مشكلة الفقر فى العالم. فمن يستخدم قول يسوع هذا بغير سياقه، ليبرر عدم مساعدة الفقراء، فإنه يكرّر نفس خطيئة يهوّذا الإسخريوطى.

مشاركة :