لفهم الأسباب التي وراء النتائج الأفضل التي سجلتها آسيا، من المهم تحديد البلدان التي شهدت تحسنا أكبر من غيرها. ومع تزايد أعداد المسنين، عادة ما يؤدي ارتفاع نسبة العاملين الأكبر سنا إلى تراجع نسبة مشاركة الذكور والإناث في القوة العاملة، نظرا لأن العاملين الأكبر سنا تقل مشاركتهم عادة في القوة العاملة. ولكن في آسيا، وعلى الرغم من الآثار السلبية الناتجة من زيادة أعداد المسنين، ارتفعت نسب مشاركة المرأة في سن العمل الأمثل ــ الفئة العمرية من 25 إلى 54 عاما ــ حتى مع زيادة معدل التحاق صغار العاملين، من الذكور والإناث، بالمدرسة ومن ثم تأخر انضمامهم إلى صفوف القوة العاملة. وهذه الاتجاهات ثابتة عموما في جميع البلدان الآسيوية، باستثناء عدد قليل من البلدان ــ ولا سيما الصين والهند وتايلاند ــ حيث أصبحت المرأة في سن العمل الأمثل أقل مشاركة في القوة العاملة. وتؤثر الدورة الاقتصادية تأثيرا كبيرا في تطورات سوق العمل. إذ يؤدي تراجع النمو أو الركود إلى زيادة البطالة، ما قد يدفع العمالة إلى الانسحاب من سوق العمل نتيجة شعورهم بالإحباط أو تراجع مهاراتهم. وقد يؤجل بعضهم انضمامه إلى سوق العمل لحين تعافي الاقتصاد. واستفادت اقتصادات آسيا من قوة النمو في السنوات الأخيرة، ما أدى إلى زيادة نسبة مشاركة المرأة في القوة العاملة وتوازن آثار تزايد أعداد المسنين. وفي هذا الصدد، تختلف تجربة آسيا عن تجربة اقتصادات الغرب المتقدمة التي تحملت وطأة الأزمة المالية العالمية وشهدت تراجعا في نسب مشاركة المرأة في القوة العاملة نتيجة الهبوط الاقتصادي الذي تلا الأزمة، ما أدى إلى تفاقم الضغوط الناتجة من تزايد أعداد المسنين. غير أن النمو وتزايد أعداد المسنين لا يفسران بالكامل تفاوت نسب مشاركة المرأة في القوة العاملة بين بلدان آسيا. فقد كان للتغيرات الهيكلية في الاقتصاد والسياسات الداعمة للأسر دور أيضا في هذا الصدد. وتشير مجموعة متزايدة من الدراسات إلى أن نسب مشاركة المرأة في سوق العمل كانت أيضا نتيجة مجموعة من الخصائص الاجتماعية والهيكلية والسمات الشخصية وسياسات سوق العمل والمؤسسات التي أثرت في نتائج سوق العمل عموما وفي النساء العاملات تحديدا. وتؤثر هذه العوامل في قرار المواطنين بالانضمام إلى صفوف القوة العاملة وقرار أرباب العمل بتوظيف عمالة جديدة. وتتضمن الدوافع تحسن البنية التحتية، وزيادة المساواة في حقوق العاملين، وتدني معدلات الخصوبة بين البالغين، وتوافر خدمات رعاية الطفل منخفضة التكلفة، والتوجهات الثقافية التي تؤثر في مشاركة النساء في القوة العاملة. وقد يختلف تأثير السياسات على حسب هيكل الاقتصاد ودرجة التطور الاقتصادي والمؤسسي. ففي الاقتصادات الأكثر تقدما على سبيل المثال، عادة ما ترتبط درجة التوسع الحضري ومستويات التعليم ما بعد المرحلة الثانوية بزيادة نسب مشاركة المرأة في القوة العاملة نظرا لأن النساء العاملات عادة ما يشغلن الوظائف التي تتطلب مهارات أكبر في قطاع الخدمات الحضرية. ويقل ارتباط هذه العوامل بنسب مشاركة المرأة في القوة العاملة في البلدان منخفضة الدخل حيث يرتفع حجم العمالة غير الرسمية في القطاع "الزراعي" الريفي. وتغطي البلدان التي تشملها الدراسة نطاقا واسعا من حيث مرحلة التطور الاقتصادي وموارد سوق العمل والسياسات والبيئة المؤسسية. وقد تكون بعض العوامل ــ في المتوسط ــ أقل أهمية من الناحية الإحصائية في تفسير التغيرات في نسب مشاركة المرأة في القوة العاملة لأنها ببساطة لا تؤثر إلا في مجموعة فرعية من البلدان... يتبع.
مشاركة :