بين الحسد الأزرق والحسد الأصفر

  • 2/10/2019
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

تقف (جامعة كوبنهاغن) بمبانيها الضخمة شامخة في قلب العاصمة الدانماركية كأقدم الجامعات الأوربية العريقة التي أنشئت قبل خمسمائة عام، وفي أحد تلك المباني يتواجد (معهد أبحاث السعادة) وهو أحد المعاهد التي تقوم بدراسات متميزة على أعداد كبيرة من البشر، وفي هذا الوصفة سنستعين بأحد دراسات المعهد التي أجراها عام 2016 وتضمنت معرفة وقود بعض المشاعر كالحسد. (1095) هو عدد الأشخاص الذين أجريت عليهم هذه الدراسة، وقد كان هدف الباحثين فيها هو (محاولة معرفة تأثير الشبكات الاجتماعية على جودة حياة الناس) دون أن يعرفوا النتائج الغريبة التي سيقودهم إليها هذا الهدف، وهو ما يمكن تسميته (الحسد الأزرق). اختار الباحثون عدداً من الأشخاص ممن يملك حسابات نشطة على (شبكة فيسبوك) وطلبوا منهم تعبئة استمارة لتقييم حياتهم من 1 إلى 10، وكان هناك عدد من المحاور مثل مدى رضى الشخص عن حياته، وعن مدى شعوره ببعض (المشاعر السلبية) كالغضب والاكتئاب والحزن – لم يكن الحسد في قائمة الباحثين حينها-، ولا حظ الباحثين أن النسب كانت مرتفعة جدا في محور (المشاعر السلبية) فاتخذوا قرارا يساعدهم على فهم ذلك. قرروا أن يقوموا بتقسيم المشاركين إلى مجموعتين، مجموعة تركوها تواصل استخدام شبكة فيسبوك كما كانت، ومجموعة طلبوا منها أن (تمتنع) عن استخدام فيسبوك لمدة (أسبوع واحد فقط)، ثم طلبوا من المجموعتين الإجابة مرة أخرى على استمارة تقييم حياتهم بعد أسبوع، وأتت النتيجة مفاجئة للجميع. رغم أن المدة أسبوع فقط إلا أن معدلات الشعور بالمشاعر السلبية انخفضت إلى النصف لدى العينة التي توقفت عن استخدام فيسبوك! ولو استمرت الدراسة لأكثر من أسبوع لربما تلاشت تلك المشاعر تماماً! حسناً ماذا عن (الحسد الأزرق) وما علاقته بالأمر؟ حين تقصى الباحثين عن سبب تنامي هذه المشاعر السلبية وجدوا أن كثرة متابعة الشخص لحياة الآخرين في فيسبوك، (تشعل مشاعر الحسد والغيرة) في قلبه، مما يسبب عددا من المشاعر السلبية الأخرى كالغضب والاكتئاب والحزن والإحباط، مما يجعلهم ينشغلون عن الاستمتاع بما يمتلكونه بـ(الحسد) والتحسر على ما لا يمتلكونه! الحسد المصبوغ بزرقة فيسبوك في الدانمارك يتحول في الخليج إلى لون آخر حيث يصبغ باصفرار سناب شات ليتجلى لنا (الحسد الأصفر) المرتبط بشبكة أسوأ من فيسبوك، حيث سناب يتيح للفضوليين المشاهدة دون حاجة للتواصل والتفاعل، مما يتيح للشخص أن يكتفي بمراقبة حياة الآخرين دون أن يكون ملزما بالرد أو التعليق! ويتنامى الحسد الأصفر ليفتك بصاحبة مع تصدر حسابات المشاهير السطحيين الذين لا يملكون سوى الاستعراض بمساكنهم ومراكبهم وملابسهم مما لا يملكه المتابع، وأسبوع واحد كفيل بتعرض البعض لذات السلسلة الممتدة التي تبدأ بإيقاد شعلة الغيرة ثم تستمر حتى تتشبع بالحسد، وقد يتحول مع نقص إيمانه وقلة اتزانه ليصبح حاسداً محترفاً يتمنى زوال النعمة عن غيره، ويبذل وسعه لتحقيق أمنيته بالقول والفعل. وقبل أن ننضم لسرب الرافضين لفرضية تسلل الحسد إلى قلوبهم، أود أن أخبرك بوجود أعراض جانبية أخرى قد تكون مؤشرات لك لتجعلك تحتاط لقلبك وتوجهه لما ينفعه، وأولها أن تنشغل عن حياتك بتتبع حياة الآخرين، وتتأثر صحتك النفسية ورضاك بواقعك مما تراه من واقعهم، و تشعر أحيانا أن صفاء بالك يتبخر وأنك بت تحمل في قلبك شعوراً سلبياً تجاه بعض من تابعتهم – مهما كانت مبرراتك النبيلة لهذا الشعور-، والأسوأ حينما تجد أن شعورك السلبي يدفعك لظلم الآخر وشتمه أو إيذائه، فأنت هنا بحاجة لـ(تعترف ببشريتك) و(عدم كمالك) وتعيد (تزكية قلبك) بتأمل (نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ)، فترضى بما قسمه الله لك وتبذل الأسباب لتسعد نفسك لا لتشبه غيرك. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ Hindamer.m@gmail.com  Twit: @hindamer

مشاركة :