راشد المبارك.. رجل العلم والحوار والتسامح

  • 2/19/2015
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

فقدت الأسرة الثقافية والعلمية في السعودية، أمس، العالم والأكاديمي والأديب السعودي الدكتور راشد المبارك الذي رحل عن 80 عاما، كانت حافلة بالعلم والبحث والتحقيق والتأليف، والنشاط العلمي والبحثي، كما كانت حافلة باحتضان الفكر ورعاية الحوار وتكريم الأدباء. رغم أن الدكتور راشد المبارك ولد في الأحساء عام 1935 من أسرة علمية واجتماعية عريقة، فإن إقامته كانت في الرياض التي عرفته بوصفه أحد أبرز الشخصيات العلمية والاجتماعية، وقد جمع بين العلم والأدب، فهو أستاذ متخصص في الفيزياء والكيمياء، وهو كذلك أديب وشاعر، وناقد يتذوّق بحس مصقول وينقد ببصيرة نافذة، وعرف كذلك باعتباره محققا أسهم بفعالية في إنجاز الموسوعة العربية العالمية، أكبر الموسوعات العلمية في العالم العربي. في المجال العلمي، ألفّ كتابه «كيمياء الكم» وهو أشبه بمنهاج لطلبة الدراسات العليا والجامعية، كما ألفّ كتاب «هذا الكون ماذا نعرف عنه؟»، الذي كتبه بصياغة رصينة أقرب ما تكون للصياغة الأدبية الممتعة منها للعلم الجاف. ونشر أبحاثا مبتكرة في عدة مجلات علمية عالمية عن تأثر طاقة الإلكترون. وكتب في الفكر والسياسة والتاريخ، كما قدم بحثا متميزا عن المتنبي بعنوان «المتنبي ليس شاعرا»، حاول فيه معرفة عامل النبوغ لدى المتنبي، وسبب التفوق عنده، وأظهرت هذه الدراسة قدرته النقدية الباهرة. وفي الأدب والشعر كتب «شعر نزار بين احتباسين»، وله ديوانان من الشعر: «قراءة في دفاتر مهجورة»، و«رسالة إلى ولادة». وفي الفكر كتب «فلسفة الكراهية»، و«التطرف خبز عالمي»، فقد كان راشد المبارك مسكونا بهاجس التعايش والحوار، ونبذ التطرف، ومد الجسور بين التيارات الثقافية، وخلق فضاءات للتواصل، وهو لذلك حوّل ديوانيته الأحدية التي تقام في منزله بالرياض إلى مناسبة للحوار الفكري، وتجسير العلاقة بين مختلف الأطياف الثقافية. ومثلما كان معنيا بنشر ثقافة التسامح ورعاية التواصل، كان معنيا كذلك بمواجهة أفكار الكراهية التي انطلق عقالها وأصبحت وبالا على الدولة والمجتمع، وسببا لتفشي الاحتراب وتقسيم المجتمعات. في كتابه «فلسفة الكراهية: دعوة إلى المحبة»، يتحدث راشد المبارك عن «فئة من الناس تحترف الكراهية، تزرعها وتسقيها وتنميها وتدعو إليها وتُبشّر بها»، ثم يقول في توصيف هذه الظاهرة بأن «الكراهية صارت في بعض النفوس نوعا من العقيدة لها جلال العقائد التي تجب حمايتها وصيانتها». ويقترب أكثر من تشخيص وباء الكراهية بالقول: «تعددت دوائر الكراهية لدى فئة من المسلمين، وإذا كانت الدائرة الأولى القريبة من المركز تضم المخالفين في العقيدة والملة (..) فإن هناك دوائر أخرى اتسعت لتشمل المشاركين في الدين والعقيدة من المخالفين في الطائفة أو المذهب». درس المبارك في جامعة القاهرة، حيث حصل على الدرجة الجامعية في الفيزياء والكيمياء بتقدير جيد جدا من كلية العلوم في عام 1964، وابتعث للدراسة وحصل على دبلوم الدراسات العليا في الفيزياء الجزيئية من جامعة مانشستر في خريف عام 1969، وحصل على الدكتوراه في كيمياء الكم من جامعة جنوب ويلز بمدينة كاردف عام 1974، وعمل أستاذا لكيمياء الكم في كلية العلوم بجامعة الملك سعود حتى عام 1992، وعمل أيضا مديرا للمختبرات الكيماوية بوزارة الزراعة، وعضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود، وعميد كلية الدراسات العليا بجامعة الملك سعود، وعضو مجلس الأمناء بمعهد تاريخ العلوم العربية بجامعة فرانكفورت، ورئيس المجلس التنفيذي للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة بمدينة الرباط بالمغرب، وعضو المجلس الأعلى للإعلام في السعودية، وعضو مجلس الإدارة بدارة الملك عبد العزيز. في حفل تكريم راشد المبارك الذي أقامته أسرة آل المبارك في الأحساء في أكتوبر (تشرين الأول) 2008، تحدث الدكتور مرزوق بن تنباك قائلا: «إن الدكتور راشد تجاوز في فكره السائد والمألوف إلى البحث عن الحقيقة، وفي علاقته وصلاته مع الناس تجاوز من تربطهم القرابة والنسب دون إهمال الحقوق إلى كل العرب، وفي صداقاته تجاوز المحلية إلى المحيط العالمي الإنساني». في حين وصف المفكر الدكتور إبراهيم البليهي راشد المبارك بأنه «مثقف تنوعت معارفه وامتدت اهتماماته، وهو قبل ذلك وبعده ذو بصيرة فكرية زاخرة. إنه مفكر عميق الفكر وناقد، والأهم من ذلك أنه يدرك مسؤولية المثقف». أما عبد الله القفاري، الذي قرأ تجربة راشد المبارك في كتابه «راشد المبارك: ريادة في الفكر والثقافة»، فقال «أقرأ في راشد ملامح الإنسان الذي طالما عشقت وجوده وهمْت في عالمه. إنه راشد المثقف.. له حضور كبير في مشهد الثقافة». وبالمناسبة فإن هذا الكتاب الذي يقع في 260 صفحة من القطع المتوسط، وطبع في مطبعة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، وقدم له الشيخ جميل الحجيلان، يستعرض عبر أربعة فصول تجربة الشيخ راشد المبارك في العلم والثقافة والحياة العامة. وضّم القفاري في الكتاب بعض المقالات المهمة التي كتبها راشد المبارك، بينها مقاله «محاولة للفهم: الغزو الثقافي.. وهم أم حقيقة؟»، ومقال «رسالة إلى كل من تؤرقه هموم أمته إرادة القوة عندما تكون وجها آخر للتهور»، ومقال «حتى لا تتصدع الحصون»، ومقال «كلمة إلى من يعنيهم الأمر في الدولة والمجتمع».

مشاركة :