صراحة – الرياض: يقع قصر البديعة التاريخي الذي أمر الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود –رحمه الله- ببنائه عام 1353هـ الموافق 1935م على مجرى وادي حنيفة من الناحية الغربية، وبين شعيب أم قصر من الناحية الشمالية، وشعيب غذوانة من الناحية الجنوبية، وذلك عندما وجه معلم البناء في ذلك الوقت “الاستاد” محمد بن قباع ببناء القصر ليكون مقرًّا للسكن واستضافة كبار الزوار والشخصيات المهمة للدولة والاجتماعات الخاصة، حيث تم تشييده على طراز معماري جميل يتوسط أشجار النخيل الباسقة. ووفق اهتمامات دارة الملك عبدالعزيز بتوثيق القصور الملكية وصفًا وتاريخًا وبالصورة الثابتة والمتحركة، وثقت نمط بناء هذا القصر الذي تم وفق أسس هندسية معمارية، لما هو سائد في المباني الطينية وسط المملكة، حيث كان أسلوب تخطيط المباني في ذلك العهد لا يتم على مخططات أو لوحات ورقية كما هو الحال اليوم، بل يتم بتخطيط المبنى على الأرض مباشرة، ويتم ذلك بأن يقوم البنّاء أو المشرف على البناء نفسه – بعد التعرف على موقع القصر وحجمه – بوضع خطوط تفصيلية بقدمه على الأرض، وقد يستعين ببعض الحبال الليفية أو حبال من الصوف بحيث يخط في البداية موقع الجدار الخارجي، ثم تنطلق خطوط الوحدات والمرافق الداخلية حسبما اتفق عليه، وبهذا الأسلوب يستطيع المشرف على البناء الذي يسمى آنذاك “الاستاد” مراقبة استقامة الأساسات، وتوازن الأضلاع، وكذلك حجم الغرف والساحات والمصابيح وفتحات الأبواب، بحيث يعدل ويحسن كيف يشاء قبل بدء التنفيذ، وبعد أن تتم هذه المرحلة الأولية الأساسية تحفر الأساسيات ويبدأ البناء. ومن خلال الوقوف على قصر البديعة ومعاينة أسلوب بنائه، وبعد إجراء بعض المجسات اليدوية في نقاط مختلفة يتبين أن أساسات الجدران الخارجية للقصر مبنية بأحجام صخرية بيضاء مشذبة بطريقة تمكن البناء من تشييد حوائط القصر بشكل هندسي مستقيم، وقد حفرت أساسات القصر بعمق يتراوح بين 80-120سم، وعرض يصل إلى 60سم، ورصّت فيها المداميك الحجرية بطريقة منتظمة. كما أن أساسات جدران الوحدات الداخلية للقصر لم تشيد على مداميك حجرية، بل بنيت بمداميك “عروق طينية سميكة”، وذلك نظرًا لأن هذه الجدران ستكون محمية بجدران القصر الخارجية من أضرار المياه والرطوبة، ورغبةً في البناء باستغلال مادة الطين الجيدة المتوافرة بوادي حنيفة المشيد فيه القصر، كما تم استكمال بناء الأجزاء السفلية من القصر بطريقة المداميك، ويتمثل هذا الأسلوب برص كتل الطين المخلوط بعضِها فوق بعض على شكل صفوف مستقيمة تدك بالأيدي أو بلوح خشبي معد لهذا الغرض، أما الأجزاء العلوية من القصر، الشرفات الخارجية والداخلية، وبعض الجدران الصغيرة فهي مبنية بالطوب اللبن. وبينت دارة الملك عبدالعزيز أن جميع جدران غرف القصر ووحداته من الداخل والخارج كسيت بطوب طيني مخلوط بالتبن، وهو ما يعرف محليًّا بـ “المشاش”، ثم غطيت طبقة اللياسة الطينية هذه بأخرى رقيقة من الجص الأبيض، وبخاصة داخل المجالس وغرف القصر الرئيسة والمسجد والأعمدة والشرفات، وأفاريز النوافذ والأبواب، أما فيما يتعلق بأعمدة لواوين “مصابيح القصر” فلقد بنيت بواسطة أحجار أسطوانية الشكل مشذبة، كي تأخذ الأعمدة هيئات رشيقة إلى جانب استقامتها ومتانتها، ولقد ربط ما بين أعمدة هذه المصابيح بواسطة سواكف متينة أعدت من خشب الأثل، بحيث تستند هذه السواكف على تيجان الأعمدة، وهي عبارة عن ألواح حجرية مربعة الشكل تثبت فوق رؤوس الأعمدة، ويطلق عليها محليًّا “القنايع”. ويحتوي قصر البديعة ـ حسب الزيارة الميدانية ــ على خصائص معمارية تميزه عن الكثير من القصور داخل مدينة الرياض وخارجها، ومن أبرز هذه المميزات وجود مسجد خاص بسكان القصر وضيوفه، وذلك في الدور الثاني جوار المجلس الرئيس للملك، ويبدو هذا المسجد مربع الشكل ويحمل سقفه عمودان أسطوانيان من الخرز، ترتكز على مثليهما من منتصف غرفة في الدور الأرضي تأخذ نفس حجم المسجد، إلا أن هذا الأخير له محراب مجوف يستند خارج المسجد على سارية مصمتة نصف دائرية تبرز من الأرض وكأنها امتداد طبيعي للمحراب، ويقع إلى جانب هذا المسجد المجلس الرئيس الكبير، ولا يتميز هذا المجلس بضخامة حجمه فحسب، بل بجمال تكوينه. يذكر أن الملك عبد العزيز –رحمه الله- كان يتردد على قصر البديعة ومعه ضيوفه صيفًا، وجرت العادة إذا جاء من الرياض أن ينزل في القصر ويمكث فيه حتى يصلي الظهر. ثم يذهب إلى النوم ويخرج بعدها ليجتمع بخاصته حتى يصلي العصر، وبعد تناول الطعام يخرج ومن معه إلى بطحاء الوادي ويجلس هناك حتى يصلي المغرب ثم يعود إلى الرياض، واستخدم هذا القصر لسكن الضيوف بعد بناء “قصر المربع” والقصور المجاورة له، إذ انتقل الملك إلى “المربع” واستخدم قصر البديعة وملاحقه قصورًا للضيافة الملكية. واتُّخذ القصر في عام 1954م مقرًّا لمدرسة الباطن السعودية وشرطة الباطن، حيث احتلت المدرسة القسم الجنوبي من القصر وما زالت الشواهد التي تدل على استخدام هذا الجزء لأغراض التدريس باقية حتى الآن، أما الجزء الشمالي من القصر فقد استخدم مقرًّا لشرطة الباطن.
مشاركة :