قدّم فريق عمل مسرحية عندما تمطر الشمس لوحة سريالية معبّرة عن ماضي وحاضر فلسطين، حيث عمد مؤلف ومخرج المسرحية نعيم نصر إلى تشويق المشاهدين من خلال تداخل مشاهد المواقف التاريخية القديمة بالواقع المعيش. وترابطت أفكار المسرحية ووحدتها رغم تعدد فتراتها الزمنية واختلاف شخوصها، ليبدو وكأن تاريخ المأساة الفلسطينية يعيد نفسه من حكم العثمانيين حتى انقسام الفلسطينيين. وساهم ارتداء الممثلين لملابس برتقالية اللون في تجسيد مضمون المسرحية، فرمزية اللون -حسب المخرج - تكفي للإيحاء بأن الفلسطينيين كانوا وما زالوا في حالة استعداد لتنفيذ حكم قديم جديد بالإعدام، لكنه لم ولن ينفذ في نهاية المطاف ما دام هؤلاء يمتلكون إرادة الحياة والصمود. مأساة فلسطينية ويؤكد نصر أن عنوان المسرحية يختصر جزءا أساسيا من مضمونها ورسالتها، فالشمس لا تمطر سوى حمم النار التي تتساقط على الفلسطينيين منذ ما يزيد عن قرن، معتبرا أن المجاعة إبان العثمانيين والقهر من الإنجليز والنكبة فالنكسة لا تختلف في مأساتها عن مجازر لبنان والانتفاضة واتفاق أوسلو والانقسام والمجازر الأخيرة بغزة. ويقول نصر للجزيرة نت إن الوجه الآخر الذي قدمته المسرحية يتعلق بأهمية التشبث بالوطن مهما كانت الصعوبات، فإذا كانت عوامل الهجرة والرحيل من فلسطين كثيرة، فإن أسباب البقاء والتمسك بالحق أكثر بكثير على حد قوله. ويعيب المخرج الفلسطيني غياب الرعاية الرسمية والأهلية للفنانين الفلسطينيين، مع عدم توفر الحد الأدنى من مقومات الأعمال الفنية والمسرحية، مشيرا إلى أن عرضه لمسرحية عندما تمطر الشمس تم في مكان غير مؤهل من حيث المساحة والصوت والإضاءة والإمكانات الفنية الأخرى. ولمدة سبعين دقيقة -فترة عرض المسرحية- لم يهدأ الحضور بقاعة مسرح الهلال الأحمر بخان يونس جنوب قطاع غزة من التصفيق تارة للأداء المميز للممثلين، والضحك أو البكاء تارة أخرى لمضمون العرض المسرحي. فمجازر اليهود بحق الفلسطينيين قبيل وإبان النكبة مشاهد أدمت القلوب وأبكت العيون، مثلما علت الضحكات عند تجسيد مشهد حديث العرب عن أن جيشنا الباسل وصل مشارف حيفا وطائرات العدو تتساقط كالذباب والمعركة لن تطول، فساعات وتنتهي إسرائيل. مقاومة الاحتلال وباللهجتين المصرية والسورية عبّر الفنانون عن المعاني السابقة حيث احتلال إسرائيل لسيناء والجولان وتجسيد واقع الانقسام الفلسطيني المستمر منذ عقود، فلخصته حكاية العروس التي اختُلِف على ارتدائها لباس أهلها من بلدة السوافير الشرقية، وارتدائها لباس عائلة زوجها من السوافير الغربية، وهما قريتان هجر أهلهما إبان النكبة. وركزت المسرحية في مشاهدها الأخيرة على الدعوة للفكاك من واقع الاحتلال والحصار، إذ أطلق الفنان فؤاد شيخ العيد صرخة مدوية إلى متى تغلق بوابة معبر رفح وتبقى الأسلاك الشائكة بمعبر بيت حانون إيرز؟ وبينما أبدع شيخ العيد في دور حميد، ذلك الشاب الكادح الذي يبحث عن الحياة، كان لمشهد تقييده بالحبال من كافة الجهات وقع خاص على الجمهور الذي صفق بشكل متواصل وهو يرى تكرار مشهد إحراق الطيار الأردني معاذ الكساسبة بنفس المضمون والألوان والشخوص مع اختلاف النهاية. ويعزو الفنان الشاب في حديثه مع الجزيرة نت نجاحه في دوره، إلى معايشته تفاصيل الشخصية واقعا وليس تقمصا، وهو ما زاد من تفاعل الجمهور معه في كل كلمة وحركة يؤديها وفق تقديره. ويثني الأديب والكاتب الساخر توفيق الحاج على المسرحية تأليفا وأداء وإخراجا، رغم الإمكانات المحدودة، فالمسرحية فهمتنا أكثر مما فهمناها، وعبرت عن همومنا وأحزاننا والتحولات التي حدثت في تاريخنا. وقال الحاج للجزيرة نت إن الفنانين جسدوا النص بحرفية مع موسيقى معبرة وفواصل ممتعة، ليُعرض عمل فني مميز، مضيفا أن العرض المسرحي استنزف منا الدموع والتفكير في ماضينا ومفاصل ثورتنا ومقاومتنا دون أن يفقدنا الأمل.
مشاركة :