قال الدكتور بطرس غالي الأمين العام الاسبق للأمم المتحدة في حوار لـ«المدينة»، إن المملكة تلعب دورًا محوريًا في المنطقة العربية، بفضل نهجها الوسطي الذي يعتمد علي التفاوض والحل السلمي للمشكلات والأزمات، واعتبر العنف والإرهاب الذي يُطوِّق المنطقة بمثابة شيء عارض، يستغرق ما بين سنتين إلي ثلاث سنوات علي أكثر تقدير قبل أن ينتهي للأبد، متوقعًا أن تتحول داعش الى ظاهرة صوتية قريبًا، وأشار إلى أن مخاطر الانقسام الداخلى بين السنة والشيعة أكثر من تبعات التدخل الأجنبي من أجل السيطرة على النفط، مرجعًا ضعف أداء الجامعة العربية إلى الإرادة السياسية للدول العربية. وفيما يلي نص الحوار: • بداية كيف تقيمون السياسة السعودية حيال أحداث المنطقة العربية؟ • بشكل عام أود في بداية الحديث أن أوجه الشكر للمملكة وقياداتها الحكيمة علي هذا النهج الجيد من الدبلوماسية، والذي يعتمد علي البحث عن الحلول للأزمات دون المواجهة، وهو دور الوسيط النزيه الذي يحاول إيجاد حل للمشكلات، وعادة الرأي العام يفضل المواجهة ويميل إليها، بينما أنا أؤمن بالتفاوض والوساطة، وهو ما قد يأخذ وقتًا ومجهودًا لكن النتيجة النهائية ستكون إيجابية، لكنّ المواجهة تعني وجود مشكلات في النهاية. • ما رأيكم في توجهات المملكة نحو مصر، والتي حققت معادلة صعبة للحفاظ علي وحدتها واستقرارها ؟ - العلاقات بين مصر والمملكة كانت دائمًا طيبة ومتميزة علي مر العصور، ومواقف خادم الحرمين المغفور له الملك عبدالله بن عبدالعزيز المؤثرة في الموقف العربي والدولي بشأن تحقيق أمن مصر واستقرارها، تدل علي الاستمرار في العلاقة الطيبة بين البلدين. ونحن لا ننسي الاجتماع الذي عقد في أنشاص بمحافظة الشرقية المصرية بين الملك فاروق والملك عبدالعزيز آل سعود مؤسس الدولة السعودية، فالعلاقة بين البلدين كانت ممتازة وستظل كذلك، ويجب أن نستقي الدروس من ثبات تلك العلاقة، ولاشك أن تغيّر الأوضاع في المنطقة من خلال الحرب الأهلية في سوريا وليبيا وجنوب الصومال أدى إلى خطورة حقيقية على الأمن القومي لمصر، ما دفع المملكة لاتخاذ مواقف تاريخية من خلال مساندة القيادة المصرية الحالية، على غرار الموقف التاريخي الذي اتخذه الراحل الملك فيصل في حرب أكتوبر. * وماذا عن علاقات البلدين في عهد خادم الحرمين الملك سلمان بن عبد العزيز؟ أؤكد مجددًا أن السياسة السعودية تتسم بالثبات والتعقل وانتهاج الوسطية والبحث عن حلول للأزمات وليس تصعيدها، وهى تلعب دائمًا دور الوسيط النزيه للحد من الأزمات وليس تصعيدها، ولم يحدث أي تغيير في السياسة السعودية بعد رحيل الملك عبدالله؛ لأن المملكة لها نهج ثابت التزم به أبناء الراحل الملك عبدالعزيز، وأتوقع دفعًا للعلاقات إلي الأمام. *وهل تعتقد أن هذا النهج أثمر في المنطقة؟ أنا مطمئن لهذا النهج وأتمني أن يستمر، وقد أثمر في حرب أكتوبر وفي الحرب الأهلية بلبنان وتهدئة الأوضاع بين دول الجوار، وحتي في الصراع العربي الإسرائيلي المملكة طرحت مبادرة للسلام ما زالت صالحة للتطبيق في أي زمان ومكان، ونحن بحاجة ماسة إلي دور الوسيط النزيه الذي تلعبه السعودية التى لديها من الإمكانيات المادية والدبلوماسية التي تساعدها علي القيام به، ولابد من وجود وسيط عربي بدلًا من استعارة وسيط من أمريكا اللاتينية أو النرويج علي سبيل المثال. *كيف تري مستقبل المنطقة الآن ؟ حل مشكلات المنطقة واستقرارها يتطلب وقتًا طويلًا، فقد عشتُ تجارب مماثلة كأمين عام للأمم المتحدة ووزير خارجية لمصر وكان الاستقرار بعد المصالحة دائمًا يأخذ وقتًا، فلن نصل إلي الاستقرار في المنطقة قبل سنوات، ويجب ألا نظن أن الأزمات مختصة بالعالم العربي، فالعالم كله شهد أزمات، بل إن المنطقة العربية من أشد بقاع العالم استقرارًا، بالعودة إلى التاريخ بقراءة دقيقة. *هل تنجب معضلة الإرهاب مخاوف أكثر في المنطقة العربية؟ الإرهاب كان موجودًا في أمريكا اللاتينية بطريقة أكثر وضوحًا من المرحلة التي تمر بها البلدان العربية، لكن لعدم اهتمامنا بها لم نعي وجودها، ما يعني أن خطر الإرهاب يهدد العالم كله، فمثلًا الجاليات المسلمة في فرنسا تتأثر بما يحدث في الوطن العربي بسبب العولمة، و«الإرهاب الدولي» يجب أن يحارب علي مستوي عالمي وبطريقة شاملة، وأنا ضد وصم الأديان بأنها منبع الإرهاب أو أن أي دين يفرخ الإرهاب، لأن رسالة السماء واحدة ومكونات الإرهاب موجودة في كل مجتمع والعالم كله عاني من شره. *البعض يعتبر الرغبة في الهيمنة علي منابع البترول سبب مشكلات المنطقة والتدخل الخارجي؟ -الأهم من البترول هو الدور الدبلوماسي والتفاوض والبحث عن الحل، فالبترول جزء فقط، أعطيك مثالًا «إذا زاد الانقسام الداخلي بين الشيعة والسنة مثلًا يكون ذلك أخطر من البترول»، لذلك من الخطأ تصوير البترول علي أنه السلاح الأهم الآن، ربما يكون العالم مهتم فقط بالبترول ليس لحاجة الدول له ولكن لحاجة الصين، وأتصور أن بعض الأطراف تسعى للسيطرة علي البترول لوقف وصوله إلي الصين. • داعش تنظيم إرهابي يدعى أنه «دولة « كيف ترى هذا الاختطاف؟؟ «داعش» ليست دولة داخل دولة، فالمكسيك وهندوارس مثلًا مرتا بأحداث مماثلة لما يحدث الآن في الوطن العربي، وداعش مثل القاعدة تنظيم إرهابى وستتحول إلي ظاهرة صوتية غير مؤثرة قريبًا، فمقومات الدولة أكبر من أن تتوافر في تنظيم إرهابي مثل «داعش». تطوير الأمم المتحدة * بصفتك مسؤول أممي سابق، هل المنظمة الدولية بحاجة إلي تطوير وتغيير؟ -الأمم المتحدة في حاجة إلي التجديد، فعندما تأسست في سان فرانسسكوا كان عدد أعضائها خمسين دولة، أما الآن فيتعدي المئتين، والانتقال الكبير الذي يوازيه تطور هائل في التكنولوجيا يحتاج إلى تطوير وتجديد، وقد كانت الدولة هي اللاعب الوحيد في السياسة العالمية قديمًا، لكن الآن أصبح هناك لاعبون جدد كالمنظمات والروابط غير الحكومية، ويجب أن تحتويها الأمم المتحدة، وقد ناديت مرارًا بضرورة تطوير المنظمة الدولية وأن تشارك دول العالم الثالث في مجلس الأمن ويكون لها صوت. * منظمات المجتمع المدني عليها مآخذ عديدة رغم دورها الإيجابي .. كيف تنظرون لهذا الأمر؟ - هذا أمر يحتاج إلي دراسة حتي نتلافى سلبيات المنظمات غير الحكومية ونستفيد قدر الإمكان من إيجابياتها، ولاشك أنها تساعد علي تحقيق العولمة التي باتت واقعًا جديدًا يحدد ملامح العالم. *ولكن فكرة الهيمنة وتحديد ملامح العمل السياسي الدولي مرهون بمواقف القوي الكبري؟ - ستظل الهيمنة مستمرة، فهناك دول كبرى مهتمة بلعب ذلك الدور العالمي، وهناك أيضًا دويلات تلعب دورًا عالميًا مثل كوبا، لذلك العبرة ليست بقوة الدولة أو ضعفها لكن بإرادة الحاكم الذي يلعب دورًا في السياسة الدولية، وهناك ثلاثة حروب وقعت بين أقدم دول العالم «ألمانيا وفرنسا وانجلترا» ولولا وجود شخصيتين قويتين مثل ديجول في فرنسا وكونراد ايدنهاور في ألمانيا، الذين قادا عملية التفاوض لما انتهت تلك الحرب، وكذلك المواجهة بين الأغلبية السوداء والأقلية البيضاء في جنوب أفريقيا لم تكن لتنجح التسوية بينهما لولا وجود شخصية عظيمة مثل نلسون مانديلا ورئيس جنوب أفريقيا ديكليرك، فالعبرة ليست بقوة الدولة علي قدر ضرورة وجود إرادة سياسية تستطيع إيجاد الحل السلمي. *ما هو المستخلص من تجربتك في الأمم المتحدة؟ التوقف عن الاعتقاد الخاطئ بأن الاضطرابات الموجودة في الوطن العربي هي الوحيدة التي تحدث في العالم، لأن هناك اضطرابات مماثلة في العديد من دول العالم حتي في أوروبا وأوكرانيا وغيرهما، ويجب أن نعيد قراءة العالم لمفهوم العولمة الجديد وليس بمفهوم القطرية أو الإقليمية. المزيد من الصور :
مشاركة :