الاتحاد الأوروبي.. بداية النهاية أم إعادة بناء؟

  • 2/13/2019
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

يمكن القول: إن بداية النهاية للاتحاد الأوروبي قد تكون بدأت بسبب انشغال الحكومات الأوروبية بمسائل تُعتبر ثانوية قياساً بتطوير وتحديث بنيتها التحتية والاقتصادية والصناعية والتقنية والتكنولوجية والمعرفية.. صفة النموذج الإيجابي للتعايش السلمي والبناء بين الدول والشعوب في إقليم معين، صفة استحقتها منظمة الاتحاد الأوروبي منذ بداياتها. منظمة إقليمية استطاعت على مدى سبعة عقود أن تُوحد إلى حدٍ كبير السياسيات الاقتصادية والمالية والجمركية والعمالية وفي غيرها من مجالات الخدمات الاجتماعية، فاستحقت أن تكون نموذجاً لأقاليم ومناطق أخرى في العالم للعمل التكاملي الهادف لتحسين المستوى الاقتصادي والمعيشي. منظمة إقليمية تمكنت من تعزيز الأمن والسلم والاستقرار بين دول القارة الأوروبية، وجعلت من التعاون في مجالات التنمية والرفاه هدفاً رئيساً لسياساتها. منظمة إقليمية سعت لبناء توجهات سياسية موحدة تجاه معظم القضايا السياسية في المجتمع الدولي، فأصبح خطابها السياسي إلى حدٍ كبير مُعبراً عن توجهات أعضائها. هكذا هو الشكل العام لمنظمة الاتحاد الأوروبي الذي يؤشر لبداياته بتشكيل "الجماعة الأوروبية للفحم والصلب" العام 1951م، والذي استمر في بناء مؤسساته المتعددة حتى أصبح مُنظمة لها اعتبارها على المستوى الدولي. فهل تستمر هذه المكانة الدولية للمُنظمة بنفس القدر والقوة؟ أم أنها قدمت كل ما لديها وآن لها أن تتوارى؟ هذه التساؤلات تنطلق من مُشاهدة الوضع الراهن الذي تعيشه بعض دول الاتحاد الأوروبي، خاصة دوله الرئيسة كفرنسا وبريطانيا. وبما أن الدول هي المكون الرئيس للمنظمات الدولية، فإن مُراقبة تطورات الأحداث السياسية والاقتصادية والمالية فيها يعطي مؤشراً حول مستقبلها والحكم على قوتها أو ضعفها أو إمكانية انهيارها. إن المتابع لتطورات الأحداث في الدول الرئيسة بالاتحاد الأوروبي يُشاهد مؤشرات سلبية حول مستقبله. فبريطانيا، إحدى دوله الرئيسة مُنذ 1973م، بدأت مناقشة آلية انسحابها - بريكزت (Brexit) - من المُنظمة بعد الاستفتاء الشعبي، في يونيو 2016م، الذي أظهر أن غالبية البريطانيين صوتوا لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ومنذ القرار الشعبي للبريطانيين، تعمل الحكومة البريطانية على استكمال إجراءات خروجها النهائي من الاتحاد الأوروبي. أما فرنسا، إحدى دوله الرئيسة مُنذ بداياته 1951م، فإنها تشهد مُنذ مايو 2018م حركة احتجاجية شعبية تعرف بـ"حركة السترات الصفراء"، وتصاعدت حدتها مُنذ نوفمبر 2018م. هذه الحركة الشعبية بدأت مطالبها بالتنديد بارتفاع أسعار الوقود وتكاليف المعيشة، وتصاعدت لتطالب بإلغاء الإصلاحات الضريبية، ثم وصلت مطالبهم بالدعوة لاستقالة الرئيس ماكرون. وإذا كان البريطانيون عبروا عن رغبتهم في الخروج من الاتحاد الأوروبي، وحركة السترات الصفراء عبرت عن استيائها من الإصلاحات الاقتصادية التي يُفترض أنها متوافقة مع سياسات الاتحاد الأوروبي، فإن هناك توقعات لإمكانية امتداد حركة الاحتجاجات الشعبية المطالبة بتحسين الأوضاع المعيشية إلى دول أخرى بالاتحاد الأوروبي. ولكن ما الأسباب التي قد تجعل من هذه التطورات السلبية في مسيرة الاتحاد الأوروبي سبباً في إضعافه أو إعلان نهاية مسيرته؟ يبدو أن دول الاتحاد الأوروبي، خلال العقود الثلاثة الماضية، شعرت بالاكتفاء بما حققت من إنجازات سياسية واقتصادية ومالية واجتماعية، ولم تعمل على تطوير بنيتها التحتية في المجالات الصناعية والتقنية والتكنولوجية، وتباطأت في تحديث مناهجها التعليمية والمهنية والتقنية مما جعلها تفقد الريادة الاقتصادية دولياً. هذا التراجع في مستوياتها جاء لصالح دول أخرى أسرع نمواً اقتصادياً، وأكثر إبداعاً واحترافيةً في الصناعات، وأجود وأشمل في الاختراعات التقنية والتكنولوجية، وأذكى في قراءة احتياجات المستقبل التنافسية، مثل الصين واليابان وبعض الدول الآسيوية الأخرى، بالإضافة لعودة روسيا للمنافسة الدولية اقتصادياً وتقنياً وتكنولوجياً. هذه المنافسة الدولية المتسارعة جعلت من الاقتصاديات الأوروبية لا تستطيع الوفاء بواجباتها تجاه شعوبها نظراً لتراجع مواردها المالية، وأصبحت مصانعها لا تستطيع خلق فرص عمل جديدة، ولا تملك القدرة على رفع الأجور نظراً لتراجع مبيعاتها بسبب دخول منافسين جدد أكثر إبداعاً وتنوعاً وأقل تكلفة. إنها باختصار معاناة اقتصادية تنتظر دول الاتحاد الأوروبي في قادم الأعوام بسبب تراجع إمكانات حكوماتها وعدم قدرة اقتصاداتها على تحقيق سبل الرفاه التي تتطلع لها شعوبها. وفي الختام يمكن القول: إن بداية النهاية للاتحاد الأوروبي قد تكون بدأت بسبب انشغال الحكومات الأوروبية بمسائل تُعتبر ثانوية قياساً بتطوير وتحديث بنيتها التحتية والاقتصادية والصناعية والتقنية والتكنولوجية والمعرفية. فدول الاتحاد الأوروبي صرفت اهتماماتها عن تطوير وتحديث وتنمية مجتمعاتها، وركزت معظم اهتماماتها على قضايا دولية أقل أهمية مثل تقديم النصائح للدول حول كيفية التعامل مع شؤونها وقضاياها الداخلية، والترويج للديموقراطية الأوروبية، والتدخل في الشؤون الداخلية للدول بدعوى الدفاع عن حقوق الإنسان من وجهة نظر غربية، والدفاع غير المُبرر عن الاتفاق النووي الإيراني الذي لم يُلتزم به. لذلك لن يكون مُستغرباً إن خرجت أصوات أو حركات شعبية تطالب بخروج دولهم من الاتحاد الأوروبي بدعوى أنه لم يُحقق المطالب المنتظرة منه، أو بأنه سلبهم حقهم في العمل بسبب كثرة عدد المنافسين الأوروبيين.

مشاركة :