فى الوقت الذى تعمل فيه القيادة السياسية جاهدة لإصلاح المنظومة الاقتصادية المصرية، واتخاذ إجراءات غير مسبوقة لتصويب الأخطاء الاقتصادية التى تراكمت على مدى العقود السابقة، والأثر الكبير لهذه الإصلاحات فى بداية تعافى الاقتصاد والمردود الإيجابى الكبير الذى أدى إلى إشادة قوية من المؤسسات المالية الدولية، فى المقابل نجد أن هناك من أصحاب النفوس الضعيفة من يشكلون مافيا لضرب هذه الخطط الإصلاحية فى مقتل، ويبذلون قصارى جهدهم لإفشال محاولات وضع الاقتصاد المصرى على الطريق الصحيح.وعلى رأس هذا المخطط الماكر لوأد خطط التنمية والوفرة الاقتصادية يأتى تهريب الأموال إلى الخارج، مما يؤدى إلى التأثير السلبى على أهم عنصر فى القوة الاقتصادية وهو رأس المال، لأنه يشكل حجر الزاوية لكل سياسة اقتصادية، لأن عملية استخدام الفائض الاقتصادى بطريقة صحيحة تساعد على خلق رؤوس أموال جديدة وزيادة التراكمات فى الاقتصاد الوطنى، وفقدان رأس المال سيؤدى إلى توقف إنشاء المصانع والشركات وإنتاج السلع والخدمات التى يحتاجها السوق، مما يكون له أثر سلبى واضح على النمو الاقتصادى، وزيادة نسب البطالة وانخفاض الناتج القومى الإجمالى، وأيضًا زيادة الحاجة إلى الاستيراد السلعى من الخارج مما يؤثر على ميزان المدفوعات ويرهق ميزانية الدولة.كما أن تهريب الأموال إلى الخارج يؤثر أيضا على منظمة الادخار، التى يستند إليها النظام المصرفى بالكامل، فعدم وجود سيولة مالية مدخرة سيعطل حتما كافة خطط الإقراض للبنوك، والتى تعتبر البوابة الرئيسية لإقامة المشروعات الاستثمارية والصناعية وبالتالى كلمة السر فى النهضة الاقتصادية، ويؤدى عدم قدرة البنوك على الإقراض إلى بداية انهيار النظام المصرفى بالكامل، وهو الذى يمثل العمود الفقرى لأى اقتصاد ناجح.فضلًا عن ذلك سيؤدى ما تقترفه مافيا تهريب الأموال إلى الخارج وعدم وجود رأس المال الكافى إلى تعطل الكثير من المشروعات التنموية والخدمية، وأيضًا هروب المستثمرين الأجانب، حيث إن علمهم باهتزاز القطاع المالى فى البلاد سيقلل من نظرتهم المستقبلية المبشرة للاستثمار، وبالتالى سيخشون من الدخول فى شراكات اقتصادية أو إنشاء المشروعات الاستثمارية اللازمة لتوفير فرص العمل للمواطنين ومن ثم زيادة خطر البطالة، مما سيؤثر كثيرًا على السلم الاجتماعى، ويسهل أن يكون هؤلاء الشباب المعطلون فريسة سهلة لجماعات الشر والإرهاب.ومن ضمن المخاطر الكثيرة لعمليات تهريب الأموال التى تقوم بها مافيا التهريب وعصابات الشر، هو أن نهب هذه الأموال سيؤدى إلى عدم قدرة الدولة على سداد التزاماتها المحلية والخارجية، مما يؤدى إلى تراكم الدين المحلى والخارجى وبالتالى ستتحول نظرة المؤسسات المالية والمانحة إلى النظرة التشاؤمية إلى الاقتصاد المصرى مما سيؤدى إلى امتناع المقرضين عن منح أى قروض جديدة للبلد مما قد ينتهى – لا قدر الله – بوصول الدولة إلى حافة الإفلاس، كما حدث فى بلدان كثيرة ومعروفة كاليونان مثلا.الأزمة الكبيرة فى جريمة تهريب الأموال أن هناك دولا مثل جزر الكاريبى والمالديف والباهاما وجرسى والكايمان التى تعتبر مستودعًا للأموال القذرة ترحب بتحويل أى اموال غير مشروعة لديها وتعتبر ملاذات آمنة لإيداع أموال المجرمين وعصابات التهريب وأموال الجريمة والأموال المنهوبة، حيث تضمن السرية التامة للمودعين، وهنا مكمن الخطورة لأنه لا يمكن استعادة الأموال الموجودة لدى هذه الدول، حتى لو تم القبض على المجرمين.ومع النتائج الكارثية الكبيرة لتهريب الأموال، أطالب الأجهزة الرقابية والأمنية بمحاولة الوصول إلى خفايا وخبايا هذه العصابات، للكشف عن أعضائها، ومعرفة خططهم وأساليبهم، وتشديد الرقابة على التحويلات النقدية سواء التى تتم عن طريق البنوك، أو شركات الأموال، أو شركات السياحة، وأيضًا زيادة الرقابة على كافة المنافذ البرية والبحرية والجوية، والاستعانة بالأجهزة التكنولوجية الحديثة لمعرفة الأسلوب الإجرامى المستحدث لكشف ألاعيب المهربين، التى تتغير يومًا بعد يوم حيث تتفنن عصابات تهريب الأموال فى إيجاد الطرق غير المألوفة للتهريب؛ فمثلًا الطائرات الخاصة أو الحقائب الدبلوماسية أو حقائب بعض اصحاب الحصانة الفاسدين، أو تلجأ مافيا التهريب إلى وضع الملايين فى فرع أحد البنوك الأجنبية المشبوهة والذى له عدد من الفروع فى عدة دول، وبالتالى يقومون بسحب هذه الأموال فى الخارج ويضعونها فى بنوك أخرى تحت أرقام وأكواد سرية، وهناك أيضًا عقد الصفقات التجارية المشبوهة للمشاركة فى مشروعات استثمارية أو شراء أسهم فى البورصات الخارجية، مقابل وضع الأموال فى فروع بنوك داخل البلاد ويتم تمريرها للخارج لتمويل تلك الصفقات، وهى فى الحقيقة وسيلة ماكرة لتهريب الأموال. وهناك أيضًا الحيل الصغيرة لتهريب الأموال منها استخدام أشخاص خارج دائرة الشبهة، ومنحهم عمولة لإخفاء هذه الأموال ومحاولة تهريبها مقابل نسبة معينة وغيرها من طرق التهريب المختلفة التى تؤدى فى كل الأحوال إلى إضعاف الاقتصاد المصرى عن طريق إخراج الأموال التى تعتبر عصب الاقتصاد الوطنى.لقد حان الوقت للتصدى لهذه الظاهرة الخطيرة ووضع التشريعات القوية التى تضرب بيد من حديد على كل من يحاول التخريب فى الاقتصاد المصرى، عن طريق تهريب الأموال، وحان الوقت لطرح مشروع قانون لتغليظ العقوبات حتى تصل إلى السجن المؤبد أو حتى الإعدام لكل من تسول له نفسه الإضرار بمقدرات ومستقبل هذه البلد، لأن العقوبة الصارمة هى الطريق الأمثل لردع هذه العصابات المنظمة التى تمثل مافيا لا تقل خطورة عن جماعات الشر الإرهابية.
مشاركة :