ثلاثة آلاف عام من الكتابة (1)

  • 10/5/2013
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

"صورة الأدب وصورة الشعر بالذات ينبغي أن تتجدد لأن مضمون الحياة قد تجدد" لويس عوض خضع الأدب العربي في مختبر الدرس التاريخي والنقدي، إلى تحقيب زمني يعتمد تتابع وانقطاع المجال السياسي أو ما سمِّي ب "الانقلابات السياسية"، وتمثل منذ أول ما نشره جرجي زيدان (1861-1914) من "حلقات بين عامي 1894- 1895 في أعداد مجلة "الهلال"، من كتاب أعدّه حينها، وصدر بعنوان "تاريخ آداب اللغة العربية" في أربع مجلدات (1911-1914). وقد وضع خطة لتأليف هذا الكتاب في مسارين بشكل متواز حسب العصور السياسية (الانقلابات العسكرية وحكم العوائل القرشية)، وحسب العلوم الإنسانية والاجتماعية والطبيعية والرياضية (منجزات الحضارة العربية بمن انتمى إليها)، وهذا التحقيب -بما زخر من مواد تاريخية وسياسية وعلمية وأدبية - الذي أطلقه تصنيفاً متّبعاً لمؤلفات القرن العشرين المدرسية والأكاديمية على هذا النحو( قبل الإسلام، الجاهلي، الأموي...إلخ) التقطه كارل بروكلمان (1868-1956) ليجعله مرتكز كتابه الشهير "تاريخ الأدب العربي" في مجلدين صدرا، قبل ملاحقه الثلاثة، بين عامي 1898-1902" ( راجع مقالة: ملف الشعر المنثور الأول الذي أعده جرجي زيدان، جريدة الغاوون، العدد: 47، شباط 2012). بينما يجدر بنا حين نريد فهم "حركية الإبداع" تجدداً وتطوراً في الكتابة الأدبية، وأخص الشعرية تأكيداً، فإنه هناك حقب إبداعية تبعاً لمتغيرات متشابكة اجتماعية ( تنتهي بالسياسي والاقتصادي) تتضمن الأبعاد الإنسانية والذهنية والسلوكية بوصفها حقائق إنسانية خالصة مرتبطة منذ ابتكار الحروف واللغة، والبناء اللغوي من نحو وصرف وبلاغة وخطاب، وتجريبها التعبيري والشكلي، وتحويلها الأجناسي وتعدده وتفرعه. وقد استوعب ذلك الفهم الدرس النقدي عند "تيار النظرية الأدبية"، ممن ينشغلون بالكتابة الأدبية ونقدها، بينما لم يكن هدفاً أو استنتاجاً في مختبرات الدرس النقدي عند "تيار النظرية البلاغية". وقد أشار إلى ذلك ببراعة ملفتة عن تنبه ذكي الشاعر والناقد لويس عوض (1915-1990) في حوار جرى معه في جريدة القبس عام 1988، حين أجاب على سؤال هكذا صيغته "على صعيد الشعرية العربية ألا تعتقد إنه حصل فيها تطور منذ امرئ القيس مروراً بالمرحلة العباسية ثم الأندلسية وصولاً إلى زماننا هذا؟"، فقال بأن "هناك ثورة استجدت في الشعر العربي في مرحلته الأندلسية، وثورة أخرى عندما أظهرت الآداب العامية في العصور الوسطى" (فاضل، 1997، ص:303). وفي موقع آخر من هذا الحوار التاريخي أضاف على ما ذكر " والوثبة الكبرى كانت في القرن العشرين بعد الحرب العالمية الثانية هي التي جاءت بكل هذه التغييرات الأساسية في صورة الشعر لأنها اعترفت بأن مضمون الحياة قد تغير "(فاضل، 1997،ص: 304). وهذا ما دفعني إلى تأمل التحولات الأساسية على صعيد "الكتابة الشعرية العربية" بوضع فرضيات إبداعية تتجاوز الارتباط المباشر بالمتغير السياسي، وهو نتيجة لا سبب، يتداعى صداه تفاعلياً في المجالات التاريخية والثقافية والاقتصادية والإعلامية دون نكران تنوع أدوارها التأثيرية والتأثرية بين الأساسية والتشاركية والموازية والفرعية. ويمكن أن نضع خارطة ل"ثورات الأدب العربي" أو لتحولات "الكتابة الأدبية العربية"، وهي خروجات أو تمردات عميقة تتخذ حركة أفقية على مستوى المؤسسات السياسية والاجتماعية والثقافية والدينية ذات الحركة العمودية، على هذا النحو: الخروج من المعابد (القرن الثاني قبل الميلاد) الخروج من الصحراء ( القرن الثامن الميلادي) الخروج من اللغة (القرن الرابع عشر الميلادي) الخروج من العمود ( القرن العشرين الميلادي) وإن ما يميز هذه الخروجات (أو التمردات أو الثورات في صورها الأولية إجرائياً) بأنها نتاج تحولات عميقة بين حضارات شريكة ومجاورة إبان موجة ظهور العرب ووراثتهم لمن سبقهم من أبناء العمومة كالآراميين وتجليهم (الأكدي، البابلي، الآشوري). ترصد أولى موجات البداوة (العرب تعني البدو) التي انطلقت تسعى لقوتها الاقتصادي وزمنها الحضاري ووجودها السياسي فواجهتها مرة مملكة آشور في الألف الثانية قبل الميلاد وهي شريك سامي الأصل آرامي مع العرب بما يؤرخ للممالك العربية المبكرة في الألف الثاني قبل الميلاد أدوم وعمون ومؤاب وقيدار (الأنصاري، 2005، ص:108) التي يمكن أن تعود نشأتها بعد انقراض الأمم العربية الغابرة إرم وثمود (ستيتكيفيتش، 2005، ص:144) غير أنه يمكن رصد الصدام مع الرومان في الألف الأول قبل الميلاد وبعده خاصة مع مملكة الأنباط والتنوخيين وثوراتهما باعتبارهما تشكلان موجة البداوة التالية استمرت في التبدي (أو استفحال البداوة) الذي يوظف اقتصاديات الحرب أو بلفظ آخر "اقتصاد الغنيمة" (الغانمي، 2009، ص:304) بعد انهيار اقتصاد التجارة أو اقتصاد الوفرة في الممالك العربية الجنوبية بعد دمار سد مأرب 145 ق.م.

مشاركة :