«إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ الرُّجْعَىٰ». (العلق: ٨) آية صغيرة، بكلمات قليلة، من رب عليم مقتدر، ومُقدِّر الأقدار، ومحاسب الإنسان بالعدل على ما فعل من صغيرة او كبيرة، والكل أمامه سواء، من يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرّاً يره.. ولو تمعّن الإنسان في هذه الكلمات وغاص في أعماقها لوجد أن الله تعالى اختصر الحياة بخيرها وشرها في هذه الكلمات القليلة المحكمة، ودلّك على المسار الصحيح الذي يجب ارتياده. لنبدأ بالإنسان طفلاً، فهل رباه والداه جيدا، وعلماه الأدب والصدق والامانة وحسن الخلق، فَلَو وضع الوالدان صوب أعينهما هذه الآية الصغيرة تُذكرهما بأنهما سيُسْألان يوم الرجعى الذي لا مفر منه، فإنهما لا بد أن يعملا الخير كله، واذا فهم او فُهّم الشاب هذه الكلمات لقام بواجبه في الدراسة، لم يغش ولم يكذب وأماط الأذى عن الطريق، وسار مُحترما قوانين الدرب مؤدباً.. كبر هذا الشاب، أصبح موظفا او تاجرا غنيا وارثا او صانع ثروة او فقيرا مكافحا تتقاذفه امواج الحياة، فلو وضع كل إنسان هذه الآية صوب عينيه، فالموظف يقوم بواجبه خير قيام لا يحابي او يرتشي، ولا يتهرّب من العمل بحجة العبادة أو غيرها والتاجر لا يتلاعب بالأسواق، ويرفع الاسعار او يغش في بضاعته، وهذه الكلمات ستردع الغني، سواء وارثا أو صانع ثروة من التجبّر والطغيان «كَلا إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ (6) أَن رآهُ اسْتَغْنَىٰ (7)» (العلق).. او كيف جمع ماله وعدده، وهل داس في طريق الثروة على القيم والوطن، ويقول هل من مزيد؟ وإني لأعجب من غني جمع ماله بالرشوة والتدليس، وعندما اكتفى يجلس في المجتمع محاطاً بالمنافقين، ينتقد فلانا وعلانا، كيف جمع هذا ماله، ولو حفظ هذا الغني هذه الكلمات الربانية لعرف أن ماله لن ينفعه عندئذ سيغيّر سلوكه، والفقير هل استكان الى فقره، معتمدا على المساعدات أم يكافح ويجاهد لتحسين أوضاعه، وهو يعرف من هذه الكلمات انه لا يستوي من يعمل ومن لا يعمل؟.. وعلى ذلك قس بقية فئات المجتمع، واترك ذلك لمخيّلتك لتستعرض هذه الفئات. إن هذه الكلمات المحكمات تدخل في اعماق النفس البشرية وتهزها وتسقط شرها وتنبت خيرها، ولو وضعها المرء نصب عينيه لأصبح المجتمع مثاليا، فماذا نرى اليوم في مجتمعنا؟! اترك ذلك لمخيلتك أيها القارئ مرة اخرى واذكر قصة نوح (عليه السلام) عندما نادى ربه أن ابنه من أهله، فأجابه العليم القدير: إنه ليس من أهلك. اللهم وحِّد صفوف هذه الأمة على الخير، ليستردوا حقوقهم ويردعوا أعداءهم. د. مروان نايف
مشاركة :