قطعاً لا يفرحنا ما يجري لكم وإلى غيركم من تلك الفتن الصماء العمياء، بل تحزننا كثيراً وتعكر صفو قلوبنا، لأنها أولاً: ليس من عمل الإسلام والمسلمين، بل ذلك من أعمال الكفر. وثانياً: لأنكم تلتقوا معنا في الإسلام الذي يأمر بالرحمة والعطف، لكن للأسف الشديد تخالفوننا في المنهج، ولأن دعوتنا ومنهجنا هو طريق الأنبياء لزم من ذلك العداء، كما قال تعالى: «وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً من المجرمين». اختلفتم معنا مراراً وتكراراً حتى على أصل الدعوة، فاستبطأتم الدعوة للتوحيد، ورأيتم أن طريقها طويل الأمد، والناس في زمن السرعة، وسوّل لكم الشيطان سوء عمله، فرأيتموه حسناً، ونلتم من علمائنا الإجلاء، وبعضكم أكل من لحومهم، وكثيراً منكم رموهم بالتزلف والمداهنة، وهم بريئون من ذلك كله، كل ذلك لاستعجالكم، زعماً منكم في إيجاد «الدولة المسلمة»، وقديماً قال الحكماء: «من استعجل الشيء قبل أوانه ابتلي بحرمانه»، رأيتم أن الوصول إلى الحكم هو الغاية لإرغام الناس على الدين المزعوم عندكم مع علمكم أن هذه الوسيلة وهذه الغاية لم يقر بها قائد الأمة الحق محمد، فضلاً أن يطلبها، إذ عُرض عليه الملك وقت ذاك، ولكنه رفض ذلك تماماً، ولم يجعلها وسيلة أو غاية ليتسلق بها، ولبيان رسالته الطيبة، بل سار على نفس درب إخوانه الأنبياء من قبله عليهم السلام جميعاً، وكل هذا تعرفونه وتعلمونه وأكثر، لكن المقياس ليس بالعلم فقط كما أخبرنا في أكثر من حديث صحيح، ومنها: «رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه ليس بفقيه»، لا بد مع العلم العمل الصالح، كما هي قاعدة العلماء «العلم النافع والعمل الصالح». نعم تعلمتم العلم، ووصلتم إلى أعلى درجاته، ونلتم أكبر شهاداته، كل ذلك لا ننكره عليكم، لكن الذي ننكره عليكم فقدكم للإتباع والفقه في الدين، الشيء الذي جعلكم تخالفوننا وتلتقون مع جماعة التكفير في تشويه صورة الإسلام المشرقة، وبذلك تجنون ثمار الدمار كما هو مشاهد الآن في حالكم وحال بلادكم. افهمونا... يا جماعة الإخوان! واعلموا أن لله سنناً كونيةً وسنناً شرعيةً، لا تجد لها تبديلاً، ولا تجد لها تحويلاً «سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلاً ولن تجد لسنة الله تحويلاً» أما السنن الكونية تقوم بها مقومات الحياة، وهي: «الأكل والشرب والنفس»، بمعنى إن تأكل، إن تشرب، إن تتنفس، النتيجة «تحيا»، وإن لم تأكل، ولم تشرب، ولم تتنفس، النتيجة «تموت»، هذه السنن الكونية يعلمها جميع الناس (المسلم والكافر والعالم والجاهل). لكن هناك سنناً شرعيةً يعرفها قليل من الناس، فهي تتمثل في قوله تعالى: «إن تنصروا الله ينصركم»، هذه الآية العظمية اتخذها كثير من الناس لوحة على جدر منازلهم أو مكاتبهم، ولكن القلوب منها خاوية على عروشها. ومعلوم أن الله ليس بحاجة إلى أن ينصره أحد: «والله غالب على أمره»، لكنّ المعنى: إن تتبعوا أوامره، عز وجل، فذلك نصره وسينصركم. إذن، أين الاتباع يا جماعة الإخوان؟ أهي الشرعية التي تنادون بها، وتتحاكمون إليها؟ أليست هي الديموقراطية بعينها «حكم الشعب للشعب»؟ أين حكم الله في هذا؟ أما آن لكم أن تفهموا وتفيقوا وتقفوا وقفة جادة، وفيها شيء من التدبر لقاعدة مرشدكم الأكبر، حين قال قولته المشهورة: «أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم، تقم لكم على أرضكم». افهموها يا جماعة الإخوان، كفى دماراً، وخراباً، ودماءً، وتوبوا إلى الله توبة نصوحاً. hashem200@hotmail.com
مشاركة :