الفيزياء..مصباح ينير الدرب لاكتشاف العالم

  • 2/16/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

الشارقة: محمدو لحبيب من النادر أن نصادف كتاباً لعالم فيزيائي يحاول أن يُقرِب الفيزياء من الإنسان العادي، ويحاول أن يجعلها تتخلص من الجانب التجريدي المتمثل في تأثير الرياضيات ومعادلاتها، ليقدمها في شكل فكرة أو مجموعة أفكار تخاطب الناس بما يفهمون، وتقدم لهم إجابات بسيطة عن الأسئلة التي قد يطرحونها عن سلوك الطبيعة حولهم، وعن اكتشافاتهم لها، وتأثرهم فيها، أو تلك الأسئلة التي لا يجرؤون على طرحها؛ لأنها تبدو للوهلة الأولى بالنسبة لهم بلا إجابات. ريتشارد فاينمان عالم ومفكر فيزيائي أمريكي مهم، لا على مستوى الأبحاث والإنجازات التي قدمها في مجال العلم والتطور البشري وحسب؛ بل ولكن أيضاً لأنه يمتلك طريقة خاصة في تقريب الأمور والمصطلحات والمفاهيم العلمية للناس. كتابه هذا الذي بين أيدينا والذي يحمل العنوان «متعة اكتشاف الأشياء»، الصادر عن منشورات مكتبة العبيكان السعودية ونقلته إلى العربية ابتسام الخضراء، يلخص بشكل جلي وعبر سلسلة محاضرات وأحاديث عامة، علاقة العلم بنا، ونعيد معها اكتشاف معنى الأشياء حولنا. الكتاب يلخص بشكل عام أسلوب وطريقة فاينمان في التفكير، تلك الطريقة التي جعلته يلقب ذات يوم في طفولته وفي الحي الذي كان يسكنه ب«الولد الذي يصلح المذياع بطريقة التفكير»؛ إذ كان الأهالي حين يلجأون إليه ليصلح لهم مذياعاً، يضعه ليفكر أولاً وبشكل عميق، ثم يفتحه ويتجه مباشرة إلى مكان الخطأ، وتلك الطريقة التي جعلته يشرح بشكل مبسط وعبر تجربة أجراها في كأس ماء، في مؤتمر صحفي كيفية سقوط مركبة تشالنجر الأمريكية الشهيرة. وتظهر طريقته المميزة تلك حين يتحدث في فصول الكتاب عن متعة اكتشاف الأشياء، وعن دور الثقافة العلمية في المجتمعات الحديثة، وما ينبغي أن تكون عليه. تحت عنوان «جمال الوردة» يتحدث فاينمان عن متعة اكتشاف الأشياء، مستخدماً مقاربة متميزة، حين يقارن بين رؤية الفنان ورؤيته كفيزيائي ويقول عن ذلك: (لي صديق فنان كان يمسك بالوردة ويقول لي: «ألا ترى أنا كفنان أستطيع أن أرى كم هي جميلة، ولكن أنت كعالم عندما تجردها من هذا كله تصبح شيئاً باهتاً». أنا أعتقد أنه غريب الأطوار، أولاً لأن الجمال الذي يراه هو مرئي لي وللآخرين، وأعتقد أنني ربما لا أكون مرهف الحس من ناحية جمالية كما هو حاله، ولكنني أستطيع أن أقدر جمال الوردة، وفي الوقت نفسه فإنني أستطيع أن أرى أشياء أكثر منه فيها، أستطيع أن أتخيل الخلايا فيها، والعمليات المعقدة بداخلها والتي تنطوي على الجمال، أقصد أن أقول إن الجمال ليس في مجرد بعد سنتيمتر واحد؛ بل إن هناك جمالاً في بعد أعمق وأصغر من ذلك، إنه في البنية الداخلية للوردة). ويتحدث فاينمان في نفس الفصل عن محاولته منذ الصغر ترجمة كل ما يقرأه ويتخيله إلى الواقع، ويضيف أنه تعلم ذلك من والده حين كان يقرأ له وهو صبي حكايات عن الديناصورات، ثم يقول له مقرباً الحكاية منه: «دعنا نرى ما الذي يعنيه هذا، إنه إذا وقف الديناصور في ساحة منزلنا الأمامية، وكان طويلاً لدرجة أن يطل برأسه من النافذة، فإنه سيكسر النافذة عند مروره منها» ويضيف فاينمان مستخلصاً تجربته الحياتية في ذلك المجال: «كنا نترجم كل ما كنا نقرأه إلى نوع من الحقيقة على أرض الواقع، وهكذا تعلمت أن أقوم أنا أيضاً بذلك». وفي رؤيته لدور الثقافة العلمية في المجتمعات الحديثة يؤكد فاينمان أن تحديد المكانة الصحيحة لتلك الثقافة ليس مرتبطاً بقدرتها على حل كل مشكلات المجتمعات، ويعتبر أن التفكير في ذلك الاتجاه هو ضرب من الخيال، ويقول: «من أجل أن نجد المكان الصحيح للثقافة العلمية في المجتمع الحديث، فذلك لا يتمثل في حل مشكلات ذلك المجتمع؛ إذ إن هناك عدداً كبيراً من المشكلات التي لا تتعلق كثيراً بموقع العلم في المجتمع، ويعتبر التفكير ببساطة حول كيفية المطابقة النموذجية بين العلم والمجتمع لحل جميع المشكلات ضرباً من الخيال». ويتناول فاينمان تطبيقات العلم والنظرة الأخلاقية لها، وكيف يؤثر ذلك في انتشار الثقافة العلمية من عدمه فيقول: «كما تعلمون جميعاً فإن العلم يخلق قوة من خلال معرفته، قوة لفعل الأشياء، فأنت تستطيع فعل الأشياء؛ بعد أن تحوز معرفة علمية، لكن العلم لا يصدر تعليمات مع تلك القوة، فيما يتعلق بكيفية عمل الخير مقابل كيفية عمل الشر»، ويضيف فاينمان ملخصاً وجهة نظره الشخصية حول ذلك الموضوع الإشكالي: «مسألة تطبيق العلم، هي أساساً مشكلة تنظيم التطبيقات بطريقة لا تضر كثيراً وتقود إلى عمل جيد بقدر الإمكان». وربما يتساءل القارئ هنا عن كم التناقض الذي ورد في آراء فاينمان تلك عن تطبيقات العلم وضررها حين يعلم أنه كان العقل المدبر لمشروع مانهاتن الذي أنتج القنبلة الذرية، التي سحقت هيروشيما وأختها ناجازاكي اليابانيتين. على كل حال يبقى كتاب فاينمان هذا بغض النظر عن اختلافك مع بعض أفكاره، طريقة خاصة وممتعة لتقريب أهم إشكاليات العلم والفيزياء بشكل خاص من القارئ العادي غير المتخصص، والذي يشعر في أغلب الأحيان بصعوبة المناهج العلمية واقتصارها على الغرف والقاعات الأكاديمية فقط.

مشاركة :