دعوة إلى تجديد الخطاب الديني!

  • 2/17/2019
  • 00:00
  • 20
  • 0
  • 0
news-picture

تشكو الساحة الدعوية من الجمود، ويشتد الإحساس بهذا مع سرعة التطور في وسائل التواصل الاجتماعي، وانصراف الناس عن الدعاة التقليديين، ولقد لخص ذلك أحد الدعاة الذي كان له صيت، وكان الناس يأتون إليه من مكان بعيد ليستمعوا إلى خطبه المنبرية، ثم لأسباب خاصة أو عامة هجر المنابر، فلما سألته لماذا لا تغشى المجالس، وهي بحمد الله تعالى كثيرة، ويرتادها جمع من الناس فتتحدث إليهم وتوصل إليهم رسالتك الدعوية، ولا أظن أن هناك من يعترض عليك ويمنعك من أداء هذا الواجب الديني، وتستطيع كل أسبوع أو كل أسبوعين وربما كل شهر أن تختار موضوعًا واحدًا وتلقيه في جميع هذه المجالس التي تزورها، ثم سألته: لماذا لا تفعل ذلك أنت وجمع من إخوانك الدعاة؟ قال: الناس لا يريدوننا؟! قلت: فأين الخلل؟! فلم يحر جوابًا!، قلت له: ربما لأنكم لا تزالون تراوحون في مكانكم، وتقدمون الإسلام بالأساليب التقليدية التي عفا عليها الزمن أو كاد. كنت دائمًا أقول إننا نحن المسلمين نملك البضاعة الأصلية الفائقة الجودة ولكننا لا نحسن عرضها وإبرازها للناس، بينما أصحاب البضائع المقلدة يتهافت الناس على بضائعهم لحسن العرض، وجودة تنسيقها، ومن أجل هذا فسنقدم في هذا المقال محاولة لتجديد الخطاب الديني نسأل الله تعالى لها التوفيق والسداد. فالزكاة مثلاً فريضة فرضها الله تعالى على عباده، وركن من أركان الإسلام سوف يُسأل المسلم عنه يوم القيامة، فلو أردنا أن نطور من أسلوبنا الدعوي بخصوصها، ونشجع المسلمين على إخراجها، وبيان ما يعود على المزكي من عطاء إلهي، ثم ما يعود على الفرد والمجتمع من عوائد دنيوية من بركة وتطهير في مال المزكي، ومن دعاء الرسول (صلى الله عليه وسلم) وما يعود على المجتمع أيضًا حيث تدفع هذه الزكاة إلى مستحقيها من الفقراء والمساكين، وأصحاب الحاجات، ولهذا فنحن حين نحلل النسبة المئوية (2.5%) التي علينا إخراجها من أموالنا حين نملك النصاب ويحول عليه الحول أي: السنة من دون أن نحتاج إليه في معيشتنا، فنستطيع أن نقول: إذا حللنا هذه النسبة كما يفعل المختصون في علم المحاسبة لبيان أوجه الاستثمار الناجحة فسنجد أن له ثمرات وعوائد كثيرة لا يحققها الاستثمار الدنيوي منها: التطهير، أي تطهير المال مما شابه من كسب غير مشروع، وتزكية لقلب المزكي، ودعاء من الرسول(صلى الله عليه وسلم) للمزكي بالبركة، وصلاح الأهل والولد، وسوف ينال دعوات الفقراء والمساكين له بالبركة والزيادة في ماله لأنه كلما زاد ماله زاد نصيبهم من الزكاة. إذن، فحين تشرح الزكاة وأهميتها للمزكي وأهله وولده، ثم للمجتمع، فإنك تحقق بهذا الأسلوب ما عجز الدعاة التقليديون عن تحقيقه بوسائلهم القديمة التي تقف عند ظاهر النص ولا تحاول أن تتدبر النص المقدس بالغوص في أعماقه لاستخراج دلالاته. مثال آخر نسوقه إلى الدعاة التقليديين، وهو أننا إذا أردنا أن نرغب المسلمين في إخراج الزكاة، فإننا سنقدم لهم دراسة جدوى إيمانية واقتصادية كما يفعل أصحاب المشاريع الاستثمارية حين يطالبهم المصرف الذي يريدون أن يمولهم برأس المال من أجل إنشاء هذا المشروع، فإن المصرف يطلب منهم أن يقدموا له دراسة جدوى اقتصادية، وها نحن نلزم أنفسنا بهذا، ونقدم للمسلمين دراسة جدوى إيمانية واقتصادية تحقق للمزكي عوائد دنيوية وأخروية، ومعلوم أن مصطلح «دراسة الجدوى» مصطلح اقتصادي حديث، وله صلة وثيقة بالمشاريع والاستثمارات الدنيوية، ونحن حين نطبقه على الزكاة نقول لأصحاب المال الذين يسعون وراء الاستثمارات الناجحة: إنكم سوف تجنون الأرباح الطائلة في دينكم ودنياكم، أما ما له صلة بالدنيا فستجدون ذلك في البركة التي ستتحقق في القوة الشرائية في أموالكم لأن القوة الشرائية للدينار المزكى أكبر من القوة الشرائية للدينار غير المزكى، ومن العوائد الدنيوية والدينية معًا ما تحققه الزكاة من سد حاجات الفقراء، وهم الأصناف الثمانية الذين ذكرتهم سورة التوبة في قوله تعالى: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم) (الآية 60)، هذه الآية الجليلة تستغرق معظم أصحاب الحاجات في المجتمع، وهذا قد يشعر أصحاب المال أن عليهم واجبا مجتمعيا ينبغي القيام به، وفوق كل هذا، فالزكاة ركن من أركان الإسلام لا يكتمل الإسلام إلا به، ويتوقف عليه مصير الإنسان يوم القيامة. مثال ثالث ندعو المسلمين من خلاله إلى الخضوع لأوامر الله تعالى ونواهيه حين نحدثه عن الفرص الاستثمارية التي يتيحها القرآن الكريم لأصحاب رؤوس الأموال حين يعرض عليهم مجموعة من المشاريع الناجحة من مثل قوله سبحانه وتعالى: (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم) البقرة/261. من يقرأ هذا النص المقدس في ثوبه المعاصر لا يملك إلا أن يسارع إلى المشاركة في مثل هذا الاستثمار ليجني من ورائه الأرباح الوفيرة حيث تنبت الحبة الواحدة سبع سنابل، وكل سنبلة فيها مائة حبة، وهذا يعني بحساب العدد أن الحبة الواحدة تتحول إلى سبعمائة حبة، هذه حبة واحدة وهذا هو عطاؤها، فما بالكم حين تكون هناك حبوب كثيرة، فإن الأرباح والعوائد لا حصر لها، هذا هو عطاء الكريم سبحانه، وصدق الله العظيم: (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم) النحل/18. إنه خطاب قرآني يتناسب مع تطلعات التجار والباحثين عن الثراء من خلال المشاريع الناجحة التي يقدمها الإسلام، والتي جعل لها من ضمانات النجاح والتوفيق ما يستحيل معه الخسارة. وقد يتساءل بعض أصحاب الدخل المحدود ما نصيبهم في مثل هذه الاستثمارات وهي خاصة بأصحاب الثراء الواسع الذين تزيد أموالهم على حاجاتهم، بل حتى عن ترفهم، ثم يحول عليها الحول، فيخرجون زكاتها، فما نصيب الفقراء وأصحاب الدخول الصغيرة الذين كثير منهم يكونون من المستحقين للزكاة؟ نقول: إن لهؤلاء نصيبا، ألم تسمعوا أن درهمًا سبق مائة ألف درهم، وأن تبسمك في وجه أخيك صدقة تثاب عليها. وهناك استثمار فيه ضمان لعودة رأس المال إلى صاحبه، هذا الاستثمار هو «القرض الحسن» وهو أن يقدم صاحب المال جزءًا من ماله إلى من هم في حاجة وقتية إلى قدر من المال يفرجون به كربتهم، ثم يعيدون هذا المال إلى صاحبه في وقت يتفقان عليه، فهذا استثمار مشروط ينتهي وقته أو مدته عند استرداد صاحب المال لماله، وعوائد هذا الاستثمار تفوق عوائد الصدقة التي لا يستردها المسلم من أخيه المحتاج، قال تعالى: (من ذا الذي يقرض الله قرضًا حسنًا فيضاعفه له أضعافًا كثيرة والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون) البقرة/245. وانظروا إلى عظمة النص المقدس، والعقد المبارك، وإلى أطراف هذا العقد: الله تعالى وصاحب المال، يقول سبحانه: (من ذا الذي يقرض الله قرضًا حسنًا..) الله تعالى دخل طرفا في هذه العملية الاستثمارية المباركة، أولاً: ليقدم الحق سبحانه وتعالى أعظم وأوثق ضمان لاستعادة صاحب المال لماله، وثانيًا: يريد سبحانه وتعالى أن يحفظ ماء وجه الفقير المحتاج وأن الغني صاحب المال لا يعطيك من ماله بل من مال الله تعالى، فالله سبحانه هو المقترض لا أنت أيها الفقير، فطب نفسًا ولا تشعر أبدًا بالمهانة أو المذلة، فالله تعالى الذي أغنى الغني فشكر هو سبحانه الذي أفقرك فصبرت، ولهذا حين تقع في ضائقة مالية وتحتاج إلى العون، فإن الله تعالى سوف يقف إلى جانبك، وسوف يطلب من الغني أن يقرضه من أجلك. إنه استثمار من لون جديد، وذو نكهة خاصة لا تجدها في غيره من الاستثمارات الأخرى. وبعد، فهذه مجرد محاولة لتجديد الخطاب الديني من خلال استخدام أساليب عصرية تناسب تبدل الزمن، وتستجيب لمتطلبات المراحل المتغيرة، فتقدم الدعوة الإسلامية في قوالب عصرية، وفي أسلوب جديد ومن دون أن يؤثر ذلك في النص المقدس، أو ينحرف به عن غايته التي يتوخاها، والهدف الذي يسعى النص إلى بلوغه.

مشاركة :