لم تبدأ الدعوة إلى تجديد الخطاب الديني بعد أحداث 11 سبتمبر في أمريكا، ولا بعد أحداث محطات القطار الفرنسية أو البريطانية. ولم يبدأ الإرهاب عند المسلمين بل إن تاريخ الإرهاب قديم تبنته منظمات مثل الخمير الحمر وغيرها. وقد عانت منه شعوب كثيرة، وكتبنا في ذلك سابقا. الدعوة إلى تجديد الخطاب الديني لا تقتصر على مكافحة الإرهاب بل نحتاج إليها من أجل إعمال العقل وقبول الرأي الآخر والبحث في تأثيره على التخلف الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والتخلف العلمي والتكنولوجي إن وجد، والعمل على تنقيح التراث الإسلامي لجعله متوافقا مع القرآن والسنة الصحيحة. على هذه الخلفية كانت ندوة مجلس الأستاذ عبدالله الحويحي حول «تجديد الخطاب الديني» التي قدمها فضيلة الشيخ عبداللطيف آل محمود يوم الإثنين 22 أبريل الجاري. وقال فيها إن الأمة تمر بأزمة فكرية في المائة سنة الماضية ومازلنا نعاني منها على مستوى العالم. تجديد الخطاب الديني حديث قديم وجديد، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم( إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا). بدأ الشيخ محاضرته بالقول بأن الدعوة إلى تجديد الخطاب يثار حولها ثلاثة أسئلة هي: ما مفهوم التجديد؟ من المقصود بأصحاب الخطاب الديني؟ أي خطاب ديني معني بالتجديد؟ هذه الأسئلة الثلاثة تضع الإسلام وحده المخاطب من بين الأديان وهو المتهم، والمقصود هو علماء المسلمين وقياداتهم الدينية والمؤسسات العلمية. من الصعب الحديث عن تجديد الخطاب الديني بعمومية إذ لا بد من التحديد وفهم الدوافع والأهداف وراء هذه المطالبة. المطالبة ليست مقتصرة على الغرب بل إن هناك في الدول الإسلامية حديثا عن التجديد تطالب به مؤسسات ومفكرون مسلمون، حتى لدينا في البحرين. لكن هل ما تطالب به هذه المؤسسات الإسلامية هو نفسه ما تطالبنا به دول الغرب؟ السؤال الآخر هل المطلوب هو تجديد الشكل أم تجديد في المضمون؟ تحليل ما يطرح يتمخض عن ثلاثة أنواع من المطالبات: أولا: المطالبة بتغيير مضمون الخطاب الديني وليس شكله. فمثلا هناك من يقول إننا نستغني عن الأحاديث النبوية ونعتمد على القرآن فقط. وهذا يطرح سؤالا وهو كيف سنعالج اختلاف الرأي في فهم القرآن؟ وهل التجديد مثلا في المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث وإلغاء النص القرآني. وهل المقصود هو حذف آية الجهاد من القرآن، أو إلغاء المدارس الدينية؟ إذن المطلوب هو تغيير المضمون وليس الشكل وهذا يتعارض مع الثقافة السائدة في المؤسسات العلمية وفي المجتمعات الإسلامية. ثانيا: التوسع في مفهوم أو تطبيق بعض القضايا، مثل حدود ولاية الرجل على المرأة، وزواج القاصرات. مثل هذه القضايا هي نتاج تزمُت في بعض المجتمعات والأخذ بالغلظة في الأمر، وبعض المجتمعات اتبعت جانب التيسير. ومع ذلك فإن الواقع هو أن بعض الدول بدأت فعلا في تغيير نظرتها إلى هذه القضايا وتصدت للتزمت. والأخذ بالتشدد والتزمت راجع إلى اختلاف البيئات وليس اختلافا في الأحكام. ثالثا: هناك مطالبة بمواجهة ظواهر وقتية ناتجة عن ظروف اجتماعية واقتصادية وسياسية معينة وليست أصلية بل تظهر في فترة وتخبو في فترة أخرى. مثال على ذلك مواجهة التطرف، بمعنى أن تأتي مدرسة من المدارس وتلزم الناس برأيها. هناك جماعات لها رأي خاص بتعليم المرأة، لا يعني ذلك إلزام الآخرين به. مثل هذا التطرف يحتاج إلى مواجهة وإلى تليين مواقف المتطرفين ودعوتهم إلى قبول المسلمين الآخرين. الأمر الآخر هو قضية الإرهاب الذي ابتليت به البلاد الإسلامية وغيرها والذي تجب مواجهته. يواصل فضيلته بالقول إن هناك فرقا بين النوع الأول الذي يطالب بتغيير قيم ومبادئ وأحكام وتصورات الإسلام إلى أن يصل الأمر إلى حالة من الفوضى الدينية والفوضى القيمية، في حين هم أحزاب وجماعات لا يألف بعضهم بعضا، وإذا وصل أي صاحب فكر إلى الحكم ألغى الآخرين. إن التجديد في النوعين الثاني والثالث مطلوب وضروري وكل المؤسسات الدينية وعلماء الأمة يدعون إليه لأنه يمثل ابتعادا عن الوسطية الإسلامية. فمثلا هناك من يرى أن المقصود من تجديد الخطاب الديني هو مخاطبة الجمهور بلغة العصر وتطبيق الأحكام الشرعية بما اصطلح عليه الناس الآن. وإذا تغيرت المصطلحات سوف يتغير الحكم والفتوى التي تتغير بتغير الزمان والمكان وبما يناسب العصر؛ أي أن التغيير في طريقة التطبيق وليس في الأحكام. أما الدكتور أحمد كريمة (أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر) فإنه يدعو إلى تجديد الخطاب الديني ويقول بتجديد فهم العلماء للقرآن والسنة الصحيحة، ويجب أن يتناول التجديد فهم المستحدثات في القضايا التي تطرح والمستجدات في القضايا المعاصرة سواء كانت فكرية أو عملية أو فقهية. لكنه لا يتناول القطعيات والمسلمات الشرعية. ويضيف أن التجديد لا يطرح عبر منابر الإعلام بل في قاعات البحث بين العلماء. فيما يرى الدكتور سعد الدين الهلالي (أستاذ الفقه في الأزهر) أن القائمين على الخطاب الديني يظنون أن الفقه دين؛ أي أن كل ما جاء في كتب الفقهاء هو دين، هذا يعني أن المذهب الشافعي دين مستقل، وكذلك باقي المذاهب. إن الأحكام مستنبطة ولا يجوز اعتبارها بمنزلة القرآن الكريم. وأن الفقه هو رأي بشري ينسب إلى صاحبه وليس ملزما بالضرورة لجميع الناس. أما شيخ الأزهر الإمام أحمد الطيب فيقول إنه لا بد أن تُقدم الشريعة التي تُسعد الناس في ضوء ضوابط كما جاء به النص الصريح والقاطع وضوابط المقاصد العليا للشريعة والضوابط الأخلاقية التي جاءت بها الشريعة. يبين من هذا الطرح أن الإسلام لا يعارض التجديد في الخطاب وفق ضوابط النص الصريح والقاطع وضوابط المقاصد العليا. السؤال هو لماذا إذن لا يجري مثل هذا التجديد وتنقيح التراث من كل ما يستند إليه المتعصبون والمتطرفون من آراء وفتاوى وأحاديث تخالف هذا النص الصريح بفهم وقراءة مستنيرة للقرآن في ضوء مستجدات العلم الحديث؟ هل هو منهجية التفكير الذي يتبعه رجال الدين في التعامل مع القضايا الكبرى في المجتمع مثل الحداثة والعلم والانفتاح على الرأي الآخر واستخدام المنهج العلمي في وضع الفرضيات والعمل على دعمها أم دحضها وعرض النتائج للنقاش، معتمدين على الفهم العميق للقرآن والسنة الصحيحة التي لا تخالف القرآن. هذا ما لم يتضح من الندوة.
مشاركة :