لا يخلو عالمنا من الضمائر الميتة والأيدي العابثة ببراءة أطفالنا، نعم لا يخلو عالمنا من التحرش الجنسي بالأطفال، إلا أن سُبل مجابهتهم وتعكير صفوهم وتعطيل مخططاتهم الخبيثة والتغلب عليهم تختلف من دولة لأخرى، فاليوم، في مملكة البحرين على سبيل المثال، ستتقطّع بك الطرق، سواءً كنت الجاني أو الطفل المجني عليه، أو كنت ولي أمرٍ أو باحثٍ في المجال، ولن تتمكن في أي حالٍ من الوصول لأقرب جهة لتلقي العلاج أو طلب المساعدة أو حتى الحصول على أهم المعلومات عبر الإنترنت أو من قبل الجهات المختصّة حول أفضل الممارسات التي يجب اتباعها للتغلب على ظاهرة التحرش بالأطفال. فشبكات الإنترنت ومحركات البحث خاوية على أعقابها، ولا يمكن التوصل من خلالها إلى المتخصصين في المملكة في المجال، ليست سوى بضع مقالاتٍ نشرت على مرّ السنين تتناول ذات الأفكار وتسرد المعلومات نفسها، دون التطرّق لحلول فعالة أو توجيهاتٍ تشفي الغليل وتروي الظمآن، بينما إن جبت محركات البحث تتطلّع إلى مقالات أكاديمية وأبحاث علمية حول ظاهرة التحرش بالأطفال في الدول المتقدمة ستجد العديد منها، إلا أن الأمر يضيق حتى لا يكاد يُرى إذا ما تعلق الأمر بمملكة البحرين، فلا أرقام واضحة ولا إحصائيات دقيقة ولا مؤشرات ننطلق منها لمكافحة الأمر والتغلب عليه. تلقيت منذ أيام رسالة من أحد الآباء البحرينيين يخبرني عن مدى استيائه من واجب مدرسي أعطي لابنته البالغة من العمر 8 أعوام، ينص الواجب المدرسي على كتابة قصة قصيرة حول محادثة تمت بين الطفل وأي شخص آخر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، سواءً كان هذا الشخص صديقا أم شخصا غريبا، لا يسعني أن أذكر الكم الهائل من إشعارات الإنذار التي يثيرها هذا الواجب المدرسي، ولكن يمكنني ان ألخصه بعبارة واحدة فقط: لا بد من إعلان حالة طوارئ، فالموضوع يتعدى مجرّد وضع قوانين وتشريعات، إلى الخطر الذي يتعرض له الطفل بطرح سؤال كهذا لا يناسب مرحلته العمرية التي لا تسمح له بالتواجد على وسائل التواصل الاجتماعي أصلاً ليتم تعريضه لخطر المحادثة والتواصل مع الغرباء عبر هذه المنصات الافتراضية، فلا توجد دراسة بالحد الأدنى للتوقعات والعواقب غير المحمودة لمثل هذه الواجبات المدرسية. ففي بريطانيا مثلاً، يتم تشكيل لجنة حكومية تضم أفرادا من مختلف المساقات لدعم وتنظيم الأمن السيبراني للأطفال، والذي يضم ظاهرة التحرش الجنسي بالأطفال عبر شبكات الإنترنت، تضم اللجنة: رجال الأمن والمخابرات، وممثلي منصات التواصل الاجتماعي، وممثلي الهيئات التعليمية والتوعوية، هناك أيضًا أكثر من جهة تطوعية تعمل على مدار الأسبوع لتوفير التوعية والدعم اللازمين وتوفير مواد تعليمية عن التحرش بالأطفال لجميع الفئات الاجتماعية، كما يمكن الوصول لهذه المنصات بسهولة، وببحث بسيط على الإنترنت يمكنك التوصل بسلاسة للإعلانات المتعلقة بالموضوع، كما يمكنك التوصل عبر جميع وسائل الإعلام إلى الدورات التوعوية، إضافة إلى البحوث العلمية العالمية التي لا تفصل المتحرش عن الضحايا، وتعتبر المتحرش عنصرا مهما مثله مثل الضحية، وتتوافر له المساعدة والتوجيه والتوعية أيضًا، وفي نظري، هذه من أهم الخصائص التي من الممكن أن تحد بشكل أعمق من هذه الظاهرة، استنادًا إلى المقولة الشهيرة «دائمًا اجعل صديقك قريبا ولكن اجعل عدوك أقرب». في نهاية عام 2017 كان لي شرف العمل مع البروفيسور ريتشارد ورتلي، وهو من أشهر الباحثين في مجال علوم الجرائم والوقاية من التحرش الجنسي بالأطفال، حيث كانت فرصة سانحة لنتجاذب الحديث حول الأخبار التي تم تداولها في الصحف البحرينية مؤخرًا، من أهم النقاط التي توصلنا إليها: 1. يتم الإبلاغ عن حالة تحرش واحدة أو أقل من بين كل خمس حالات، إن دلّ هذا على شيء فإنما يدلّ على أن وضع القوانين والتشريعات ليس بالحل الكافي للحد من هذه الظاهرة، وما هذه اللوائح والتشريعات إلا غيضٌ من فيض ما يمكن سنّه من إجراءات تقي وتكافح هذه الظاهرة، فلا تفيد تلك التشريعات إلا في الحالات التي يتم الإبلاغ عنها، التي تعتبر هي الأقلية، فماذا عن الحالات الأخرى؟ 2. تدابير البحث والتدقيق: تعمل هذه التدابير كدرعٍ وقائي يتم الاطلاع من خلالها على تفاصيل حالات التحرش بالأطفال التي تم الإبلاغ عنها ومن ثم دراسة مسبباتها، والتوصّل لخصائص كل من الجاني والطفل المجني عليه، كالتعرّف مثلاً على أجناسهم وأعمارهم وتاريخهم العائلي وعلاقاتهم الاجتماعية بشكل عام، إضافة إلى التعرف على خصائص الجريمة نفسها، مثلاً أين ومتى حدثت الجريمة والظروف المحيطة بها، فمعرفة المشكلة بتفاصيلها ومسبباتها نصف الطريق لوضع التدابير الوقائية اللازمة. 3. التوصل للتدابير الوقائية: فالتعرف على الأسباب يقودنا لتطوير خطط وقائية لخفضها قدر الإمكان، فقد نستنتج مثلاً أن هذه الجرائم تحدث في أوقات معينة ومواقع محددة، ليتم بناءً على ذلك تطوير تدابير وقائية من شأنها التقليل من فرص ارتكاب الجريمة، كتطبيق تدابير وقائية لتحسين آليات المراقبة في أماكن تواجد الأطفال، أو تشجيع أولياء الأمور بعدم ترك أبنائهم دون مراقبة، ووضع معايير صارمة لتوجيه المربين والمدرسين عند التعامل مع الأطفال. 4. تنظيم برامج توعوية هادفة: يتم توفير هذه التدابير من خلال الجهات الأمنية والجهات المختصة بشؤون الأطفال، فالعالم اليوم قرية صغيرة، ويمكننا من خلال وسائل الإعلام المرئية والمسموعة وشبكات التواصل الاجتماعي ضمان الوصول إلى جميع أفراد المجتمع، لتوعيتهم بكيفية الوصول لفريق الدعم المختص في حالة الوقوع كضحية أو كمجرم، كما توجد مواد توعوية متعددة باللغة العربية، ولكن أهدافها عامة جدًا وغير محددة، تشمل عبارات مثل: «كن حذرًا» أو «راقب أبنائك»، ولكن كيف؟ نرى من النقاط المذكورة أعلاه أن وضع التشريعات والقوانين وحدها ليس كافيا للحد من ظاهرة التحرش الجنسي بالأطفال، بل يتعداها ليشمل عناصر مختلفة من المجتمع، فقضية الحد من التحرش الجنسي بالأطفال ليست فقط مسؤولية رجال الأمن والقانون، إنما هي مسؤولية مشتركة وتكاملية بين القطاعات الصحية والأمنية والتعليمية والأكاديمية والاجتماعية والمدنية وغيرها، كما يجب تشجيع البحوث العلمية التي تتطرق لهذه الظاهرة في مملكة البحرين والأخذ بالنتائج لتطوير حلول واقعية تتناسب مع الوضع الراهن. { باحثة في علوم الجرائم الإلكترونية
مشاركة :