مسرحية «مشاهد من الحياة الزوجية» لغز البحث عن الحب المطلق

  • 2/17/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

القصة قديمة وتعود إلى أيام آدم وحواء عندما اجتمعا في علاقة ثنائية تحكمت بها رغبة جامحة لقضم تفاحة محرمة. ومنذ ذلك الوقت والعلاقة العاطفية بين اثنين تتحكم بها الرغبات والتمزقات وتبادل الاتهامات لتخفي وراءها بحثهما الدائم عن الحب. هذا هو باختصار الموضوع الأساسي الذي تتناوله مسرحية «مشاهد من الحياة الزوجية»، لميشال جبر، التي انطلقت عروضها على خشبة مسرح المدينة في بيروت.فأن تتفرج على مشكلات الزواج الرائجة حالياً وأنت تجلس خارج الصحن، فيتخبط في فضائه زوجين نموذجيين معاصرين لم يكن بادياً أن ثمة شيئاً يهدد علاقتهما، سيسهل دون شك استيعابك للقطبة المخفية بشكل أفضل، إذ من الصعب أن تكتشفها وأنت في داخله.ولعل أداء رودريغ سليمان ونيللي معتوق، بطلا هذا العمل المقتبس عن «مشاهد من الحياة الزوجية» في نسخته الأساسية لإنغمار برغمان، المتسم بالحرفية والطبيعية وبالكيمياء السارية بينهما، ساهم في رفع مستوى الاستيعاب لدى مشاهدها، بحيث شعر وكأنه يتفرج على قصته الشخصية، أو على واحدة عايشها عن قرب بفعل حصولها في بيوت مقربين منه.ومنذ بداية المسرحية، في مشهد حواري بين الثنائي المتزوج، يبدأ المخرج في تمرير رسائل صغيرة لنا حول سطحية الموضوعات التي تدور بين المتزوجين بعيد مرور 10 سنوات على زواجهما. فهي إما تتناول مشكلات الأولاد، وإما سطوة الحماوات، وأما تنظيم الميزانية المالية بينهما، ليسودها بشكل واضح ملل روتين يرغبان أحياناً في كسره بمحاولات فاشلة. وتتبع أحداث المسرحية أسلوب الكريشاندو المتقن في هذا النوع من الأعمال، لتستهل بمشاهد هادئة يسكنها بركان نائم، تتضح خفايا معالمها مع الوقت، ولتنفجر في النهاية. فأن يقتفى المشاهد خيوط علاقة واهية، يسودها القلق وعدم الرضا بين ثنائي متزوج، رغم مظاهر السعادة والرخاء البادية عليهما، يدفعه إلى حل هذا اللغز المتشعب الخطوط والمطبات. فيتفاعل لا شعوريا مع قصتهما التي تحكي في الحقيقة مشاهد واقعية. فيتابعها متشوقا لمعرفة نهايتها، كونها تشرّح عن قرب المشكلة الأزلية الموجودة بين الزوجين عادة.وينجح الممثل رودريغ سليمان، صاحب المشوار الغني بمشاركاته في أعمال تلفزيونية وسينمائية ومسرحية، في تجسيد دور مركب للزوج الذي يتحفنا بظاهر تصرفات الرجل المتفهم الهادئ، فيحاول إيجاد الحلول لمشكلاته الزوجية العرضية بأقل خسائر ممكنة في البداية، ليكشف في القسم الثاني من المسرحية عن حقائق في شخصيته كان يخفيها عن زوجته، بفعل غياب المصارحة والحوار الجديين بينهما، تفادياً للخناقات، وليطالعنا في الجزء الأخير بملامح رجل شرس خائن لعهده (يحب فتاة في الـ23 من عمرها)، ولكنه لا يتوانى عن ممارسة العنف الجسدي مع زوجته لأنه يرفض فكرة تساويها معه في الإحساس. وبينما هما على مشارف توقيع أوراق الطلاق، وقد علم بأنها وجدت هي أيضاً الرجل الآخر كي ينشلها من محنتها، تغلبه غريزته ولا يتقبل هذا الواقع.أما نيللي معتوق، التي سبق وتعاونت مع المخرج ميشال جبر في «كيفك يا ليلى»، فبدت مرتاحة محنكة في تقمصها دور المرأة العادية المظلومة المطالبة بحقوقها الحميمة، دون أن تفقد الأمل، مع أنها على علم ودراية بأنها تعيش كذبة.وعلى مدى نحو 90 دقيقة (مدة المسرحية) تأخذنا «مشاهد من الحياة الزوجية» في شريط ممسرح متقن لا يفرض بثقله على المشاهد، بل يدعوه لاكتشاف حقيقة واحدة. فالعلاقات الثنائية المحكومة بالارتباط العاطفي قابلة للاهتزاز بين دقيقة وأخرى. ولذلك يدق المخرج جرس الإنذار على طريقته في أذن المتفرج، ليأخذ الحرز والتدابير الاحتياطية الواقية من فشل العلاقة. فتطن عبارة «كان لازم نتخانق مع بعضنا كي لا نصل إلى هنا، فلا نعض على الجرح ونتركه ينزف في داخلنا». وهي بمثابة قاعدة ذهبية يرددها بطلا المسرحية أكثر من مرة في سياق أحداثها.

مشاركة :