ما بعد الظلام" عزلة قاتلة في مرحلة ما بعد انطفاء الشمس

  • 2/18/2019
  • 00:00
  • 16
  • 0
  • 0
news-picture

يخوض المخرج المكسيكي باتان سيلفا وكاتب السيناريو فيرناندو باروسو في فيلم “ما بعد الظلام” إشكالية الديستوبيا الأرضية التي شغلت سواهما من صانعي أفلام الخيال العلمي. ونتذكر ونحن بصدد هذا الفيلم أن هنالك عشرات الأفلام التي عرضت قصة ما بعد الانهيار العظيم، فتارة بسبب العوامل الطبيعية والتغيرات المناخية كالتجمد أو الفيضانات أو غيرها، وطورا بسبب الصراعات والحروب التي تؤدي إلى الفتك بالبشر، أو بسبب تفشي الأوبئة والأمراض، وتارة أخرى بسبب هجوم فضائي تدميري. وفي كل هذه النماذج بقي الناجون من الكارثة هم محور اشتغال تلك الأفلام ومعالجتها الدرامية، وهو ما يحدث تماما في هذا الفيلم، حيث تكون قصة الناجين القلائل هي القصة الرئيسية أو محور هذه الدراما الفيلمية. في البدء سيسود اليأس العالم، فلا فائدة من معرفة ما يجري في الخارج، إذ العالم كله يمرّ بالكارثة نفسها، وضرب الهلع والخراب كل مكان في العالم، ومن تبقى من الناجين في أميركا. يستخدم كاتب السيناريو والمخرج عيّنة من الناجين هي عائلة ريموند المرفهة، والتي بسبب الكارثة تترك المدينة التي تعيش فيها بحثا عن طوق نجاة وتلتجئ إلى بيتها الريفي عسى أن يكون منقذا لها. وفي إطار ذلك الحيز المكاني، البيت الريفي، سوف تدور أحداث الفيلم كاملة في ما يشبه الاعتقال الإجباري الذي سوف يكون في واقع الأمر ساحة صراع بين أفراد الأسرة بانتظار أمل وحيد، هو أن يكون هنالك من ينقذهم. وخلال ذلك تظهر شخصية ريموند (الممثل تيم دالي) الأرستقراطي المتعجرف الذي يفرض سطوته بشراسة على جميع أفراد الأسرة، ويبتدئ ذلك في إهانته لابنه فريد (الممثل روبيرتو أكوير) وزوجته ماركوت (الممثلة فالوري كاري)، على أنهما ارتكبا خطأ فادحا في قرارهما الإنجاب، حيث تكون ماركوت على وشك الوضع لتواجه ذلك الأب صعب المراس، وهنا نكتشف أن ضحايا ذلك الأب هي الأسرة برمتها، بمن فيهم الزوجة جورجينا (الممثلة كيرا سيدكويك) المصابة باكتئاب عصابي شديد. يتحول المكان إلى ساحة للسجال بين الشخصيات، وغالبا ما تكون الجلسة إلى مائدة الطعام هي الفرصة التي ينهش فيها ريموند خصومه من أفراد أسرته. واقعيا نحن أمام معالجة فيلمية مختلفة ساد فيها المكان الواحد أغلب مساحة السرد الفيلمي، فعلى أساس أن الجميع محتجزون في ذلك الحيز المكاني، بسبب الظلام الدائم، لهذا سيكون المكان الواحد والوحيد حلا دراميا وبصريا، ومن ثمة لم يكن هنالك الكثير لدى فريق التصوير والمؤثرات ليفعلوه في تلك الحلبة شبه المسرحية، إلّا السجال ما بين أفراد الأسرة، لكن في المقابل، ساد التصوير الليلي والعتمة التي أثقلت الفيلم بصريا ولم تتح الكثير لما هو خارج تلك المشاهد القاتمة. المكان الواحد ساد أغلب مساحة السرد الفيلمي، على أساس أن الجميع محتجزون في البيت الريفي، بسبب الظلام الدائم في المقابل، هنالك بضعة مشاهد خارجية، ومنها اكتشاف ريموند مقتل جيرانه، إذ بدأ سطو الناس على بعضهم البعض بحثا عن الغذاء، وهو ما ستتعرض له أسرة ريموند أيضا. من جهة أخرى، نجد أن الشخصيات النسائية هي الأكثر انسحاقا أمام تجبر ريموند، إذ سوف نكتشف أنه هو السبب في مقتل ابنته الكبرى وهو كذلك السبب غير المباشر في التدهور النفسي للزوجة وهو السبب أيضا في إحباط ابنته الوحيدة كلارا (الممثلة ناتاليا داير) ذات الخمسة عشر ربيعا، إذ يهينها مرارا. ولا شك أن خلفية اختفاء ضوء الشمس كانت كافية لكي تنعكس على إحباط الشخصيات واضطراباتها النفسية، مع استمرار ريموند إيهام الجميع بضرورة انتظار من سيأتي لغرض إجلائهم، وحتى عندما يتأكد بأنه ليست هنالك عملية إجلاء إلّا أنه يستمر في إيهام الجميع والكذب عليهم. ويبرز من بين المشاهد المؤثرة قيام الابن بيتي (الممثل جون أميدوري) بجلب ذات النبتة السامة التي قتلت أخته الكبرى ليضعها في يد أمه وهي تطهو الطعام لكي يموت الجميع بالسم. ربما يكون مشهد النهاية الرمزي والذي تعمد المخرج أن يجعله مفتوحا تاركا المجال لاستنتاجات المشاهدين، إذ فجأة يبتهج الجميع حين يكتشفون، أن الشمس عادت إليها الحياة وغمرتهم بدفئها وضيائها، لكن هنالك وجه آخر لقراءة المشهد، حيث أن ذلك وقع بعد موت العائلة جميعا بالسم، وهو ما لم يظهره المخرج بشكل جليّ.

مشاركة :