مساكننا موحشة وصامتة كالقبر

  • 2/24/2015
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

مفاجاة .. لا توجد حتى الآن إحصائية حديثة دقيقة وحاسمة لعدد سكان الأربطة في جدة لكن التقديرات والأرقام المتوافرة تشير إلى وجود نحو 2500 من السيدات والرجال في 70 رباطا حكوميا وأهليا. النساء يتصدرن السكن بنسبة 90 %، ومتوسط أعمار ساكنات الرباط 60 عاما تعاني أغلبهن من تقطع السبل أو عقوق أسرهم أو ظروف معيشية صعبة انته بهم المطاف في أرذل العمر إلى هذا المكان الموحش .. حتى ان البعض يصفون الأربطة كأنها قبور مظلمة يحيط بها البؤس من كل الاتجاهات يقابلها عدد محدود من الأربطة الأفضل حالا خصوصا تلك التي يشرف عليها ويديرها رجال أعمال وفاعلو خير وإحسان. لا تتوافر حتى الآن قاعدة معلومات عن الأربطة، وإذا كان غياب المعلومة هو السبب المباشر في عدم التمكن من خدمة هذه الفئة، الا ان الجهات المعنية تؤكد ان الإشكالية ليست في الاربطة الحكومية بل في الاربطة الاهلية والخاصة حيث لا يلتزم نظارها بالتعليمات وتحدث في بعضها التجاوزات من حين إلى آخر. أغلب سكان الأربطة يشكون، كما هو معلوم، من ظروف معيشية صعبة وقاسية إذ يقطنون في مبان متهالكة تحتاج الى ترميم وتأهيل وصيانة مع غياب واضح ومؤثر في الخدمات الاجتماعية والصحية والنفسية، ناهيك عن غياب المسؤولية الاجتماعية تجاه سكان الأربطة إلا من تبرعات عينية ومادية تظهر في المواسم والمناسبات مثل شهر رمضان. حتى هذه التبرعات يقول بعض سكان الأربطة إنهم لا يتسلمونها بانتظام بسبب ما أسموه الفوضى ومع ذلك يجتهد الحراس في توزيع الهدايا والهبات والتبرعات بالمساواة. كما أن بعض الجمعيات الخيرية تقدم إعانتها على استحياء الى جانب دعومات من فاعلي الخير يتولون أحيانا الإنفاق على هذه الفئة من الناس، وليس هناك ما يسمى بالإعاشة المقننة. ظلم ذوي القربى القاسم المشترك بين كل القصص مطالبات لا تنتهي، حيث تختلف الأحلام والأماني بين العام والخاص والشكوى الدائمة من ظلم ذوي القربى، ولعل أبرز المطالب تتمثل في قلة الخدمات في الغذاء والكسوة والعلاج، وعدم وجود معونة ثابتة من الضمان واعتمادهم أكثرهم ـ بعد الله ـ على أهل الخير الذين ينشطون في شهر رمضان. لو افترضنا أن الجمعيات الخيرية تقوم بواجباتها ومسؤولياتها على النحو المطلوب فإن اتساع حجم الأربطة وتعددها وزيادة حجم ضيفاتها تسلتزم وضع آلية محددة تمتد بظلالها الخيرية على الجميع وهو ما لا يحدث في الوقت الحالي كما تقول إحداهن. هشاشة وضربات طبقا للواقع الميداني فإن أغلب ساكنات الأربطة من السيدات يعانين أمراض الشيخوخة والسكر والضغط والكولسترول وهشاشة العظام، الروماتيزم وخشونة العمود الفقري، إلى جانب أمراض العيون. وتعاني بعضهن من اضطرابات ضربات القلب وخشونة واحتكاك الركبتين. والمشاكل النفسية الأخرى. كما تشير المعلومات إلى أن ساكنات الأربطة في حاجة إلى الرعاية الاجتماعية والإنسانية والنفسية، وتوفير المناخ المناسب لهن فضلا عن توفير العلاج والخدمات الصحية والمتابعة السريرية، بخلاف حاجتهن إلى المال فهو القاسم المشترك بين الجميع في المطالبة والتمني والحلم. الله ما ينسانا توصف الأربطة، عند عامة الناس، أنها مآوى المقطوعات من شجرة والمظلومات من ذوي القربى، والهائمات على وجوههن. ويردد البعض أن جدة تعتبر أكبر مدينة في العالم تحتوي على أربطة .. وها هي فاطمة البالغة من العمر 70 عاما، الفقيرة الضعيفة ــ كما تقول عن نفسها ــ تقول إنها تفضل البقاء في هذا المكان الموحش بدلا من إراقة ماء وجهها مع أناس ملأهم العقوق حيث عاشت المرارة والقسوة في بيت ابنها .. تقول فاطمة (ذقت الأمرين بإيعاز من زوجته فلم يتردد فلذة كبدي من تسليمي إلى الرباط .. إذا الناس نسونا الله ما ينسانا). زهرة هي الأخرى أمضت في الرباط غالب حياتها ولها في المكان الموحش قرابة 4 عقود تنقلت بين أكثر من رباط ولم يكن الأول بأفضل من الآخر ولا الأخر بأحسن من الثالث، وتروى زهرة حكايتها وهي تكفكف دمعها بسبب الفقر قام أهلي بتزويجي وأنا صبية في الثالثة عشرة من العمر برجل يكبرني في السن بثلاثين عاما وبعد سنوات قليلة ترملت بوفاته وعندئذ أحضرني أهل الخير إلى الرباط لأعيش على إحسان المحسنين. صالحة المسكينة في السبعين من عمرها، سكنت الرباط قبل نحو عامين تقول، إن كل شيء متوفر إلا الدواء وتكاليف المستشفيات ومشكلتها تتلخص في معاناتها بالصعود إلى الطابق الثاني، حيث تعاني من آلام حادة في الركبتين وتعيش على صدقات المحسنين وأهل الخير، وذات الحالة تنطبق على أم ليالي الأرملة الستينية التي تعاني مثل رفيقاتها من أمراض الشيخوخة كهشاشة العظام والضغط والسكر وبرغم الآلم والمرض فإن إم ليالي تحتفظ بهدوئها وصمتها حيث تعيش على استحقاق الضمان الاجتماعي (عندي بنت متزوجة لكنها ترفض أن أقيم معها وترفض زيارتي في الرباط حتى لا تتاثر نفسياتها وتتعرض إلى الحرج أمام أهل زوجها، ومع ذلك أتحين الفرص كي أزورها في بيتها من حين إلى آخر). تعليقا على أحوال وأوضاع الأربطة، يقول أمين عام هيئة الإغاثة الإسلامية والخبير والمستشار الاجتماعي المعروف إحسان صالح طيب: إن الأربطة هي عبارة عن حبس عين محدد للاستفادة منها لصالح بعض فئات المجتمع من الأرامل والمسنين والمسنات والأيتام، بهدف تحقيق التكافل الاجتماعي. كاشفا أن هناك نظاما محددا تقوم عليه هذه الأربطة، بحيث يتم تخصيص جزء من الوقف لتحسين أوضاع الوقف والصرف على منافعه، و يمكن استخدام دكاكين تابعة للوقف على سبيل المثال لهذا الغرض. وأضاف إحسان طيب، إن المشكلة التي تعاني منها الأوقاف حاليا هي إهمال نظارها والقائمين عليها، ما أدى إلى تدهور حالتها وأوضاعها وأوضاع المقيمين والمقيمات فيها من مسنين ومسنات وأرامل، رغم أن شروط الأوقاف تقضي وجود ما يكفل استمراريتها وإعادة بنائها وتأهيلها وترميمها. رباط الولايا إحسان طيب أضاف، إن هناك العديد من هذه الأوقاف تشرف عليها وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف، وأعلنت عن مكافأة بنسبة 5 % لمن يكشف عن أوقاف تم الاستيلاء عليها، وقال إن الأربطة تكثر غالبيتها في مكة وجدة والمدينة المنورة، حيث يعمل كثير من المحسنين على تخصيص هذه الأربطة طلبا للأجر والثواب بحكم أن هذه المناطق تتوافد إليها أعداد كبيرة من الحجاج والمعتمرين ممن تنقطع بهم السبل أحيانا. وزاد طيب إن العديد من الأسر التي تسكن بالقرب من الحرمين الشريفين تضع أوقافا للمقطوعين وعابري السبيل، وتسمى هذه الأربطة تبعا للدور الذي يطلب منها، وقد سمي أحد هذه الأربطة برباط الولايا، حيث تم تخصيصه للسيدات المقطوعات أو الأرامل أو المسنات، وأضاف أن هذه الأربطة تقدم الطعام والشراب والكسوة، أما الأربطة الموجودة في باقي مناطق المملكة فهي عبارة عن أسبلة كما نرى في نجد وفي بعض المناطق المجاورة، موضحا أن وزارة الشؤون الاجتماعية تقوم بتقديم بعض الخدمات لها وكذلك الجمعيات الخيرية، كما أن كل منطقة في المملكة توجد بها لجنة خاصة للعناية بالأوقاف، مكونة من كبار الشخصيات. رفع المستويات طيب أفاد أن المجتمع المدني في المملكة تطور في وضعيته، وأصبح هناك العديد من دور المسنين في مختلف مناطق المملكة إلى جانب دور الأيتام التي تقدم خدمات أكثر من الأربطة، حيث تقدم معونات صحية وتأهيلية واجتماعية ودينية، ما أدى إلى قلة عدد الأربطة. ويطالب المستشار الاجتماعي إحسان طيب بتحسين أوضاع الأربطة والعناية بساكنيها، وأن تبذل الجهود من كافة أجهزة الدولة للحفاظ على نظافتها وصيانتها، والعمل على توفير الرعاية الصحية لسكانها وأن تتضافر الجهود من كافة هذه الجهات لتوفير خدمات مناسبة ومتابعة ساكنيها في أماكن تواجدهم، والعمل على رفع مستوياتهم الاجتماعية والصحية والاقتصادية، والتثبت من صلاحية مبانيها، ولا يمكن أن يحدث ذلك دون تضافر جهود كل فئات المجتمع. تقرير يوصي بمصاعد كهربائية رصد تقرير حديث نحو 23 رباطا أهليا خارج المنطقة التاريخية تحتاج إلى ترميمات عاجلة بمبلغ يقارب 20 مليون ريال. وكشف التقرير أن الأربطة التي تقع في أحياء عدة بينها حي السلامة، البوادي، الصفا، العزيزية، الشفية، الهنداوية، مشرفة، الزهراء وحي الجامعة تحتاج إلى عمليات ترميم عاجلة وطلاء داخلي وخارجي مع مراجعة تمديدات الكهرباء والصرف وإعادة ترميم الأرضيات ومعالجة تسربات المياه. وأوصى التقرير بتركيب مصاعد في بعض الأربطة لتسهيل الصعود والنزول لكبار السن مع صيانة أجهزة المكيفات والسخانات. ورصد التقرير وجود تشققات وتصدعات في بعضها. الشؤون الاجتماعية: لهذا السبب النساء أغلبية الناطق الإعلامي في فرع وزارة الشؤون الاجتماعية في منطقة مكة المكرمة أحمد الغامدي قال: إن ملف الأربطة مسؤولية وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف، والشؤون الاجتماعية عضو في لجنة الأربطة المكونة من عدة جهات. وقال في إيضاحه لـعكاظ إن الشؤون الاجتماعية تقدم خدمات لساكني الاربطة ممن تنطبق بحقهم شروط الإعانة كالضمان الاجتماعي والكسوة والسلال الغذائية وتسديد فواتير الكهرباء والمساعدات المقطوعة. وعن هيمنة وطغيان الأربطة النسائية وعدم وجود أربطة للرجال قال الناطق الإعلامي، إن الأربطة هي أوقاف أوقفها أصحابها للسيدات من الأرامل والمطلقات طمعا في الأجر والثواب كون النساء الأكثر ضعفا وفي حاجة إلى العون والمساعدة والعطف أكثر من الرجال.

مشاركة :