شكل الحراك الاحتجاجي الذي دخل شهره الثالث في السودان، فرصة لقيادات من داخل المؤتمر الوطني الحاكم لإعلان موقفها المعارض لتعديل دستوري يمنح الرئيس عمر البشير إمكانية الترشح لولاية رئاسية جديدة، ولكن نجاح هذه القيادات يبقى رهين استمرارية الحراك. الخرطوم – علت في الأيام الأخيرة أصوات من داخل حزب المؤتمر الوطني الحاكم في السودان معلنة رفضها إعادة ترشيح الرئيس عمر حسن البشير للانتخابات الرئاسية المقررة في العام 2020، مطالبة بفسح المجال أمام شخصيات جديدة من داخل الحزب والحركة الإسلامية لخوض غمار الاستحقاق. وسبق أن دعت قيادات من داخل المؤتمر الوطني إلى عدم ترشيح البشير، بيد أن الأخير الذي يرأس الحزب نجح في تحييدها، عبر إعادة هيكلة داخلية، أفضت إلى تصدر الموالين له للمشهد مجددا، وكان من نتائج هذه الخطوة إقرار مجلس شورى الحزب العام الماضي تعديلا على قانون النظام الداخلي يمنح البشير إمكانية خوض الانتخابات الرئاسية مجددا. وشكل الحراك الاحتجاجي الذي دخل شهره الثالث في السودان فرصة للقيادات التي ترفض إعادة ترشح البشير للدفع مجددا نحو تبني ترشيح شخصية جديدة. ومن بين الأسماء الوازنة التي تدفع في هذا الاتجاه أمين حسن عمر الذي هاجم في مذكرة أرسلها مؤخرا إلى البرلمان، خطوة إجراء تعديل دستوري يمنح الرئيس الحالي إمكانية الحصول على ولاية جديدة. سيريل سارتر: الحكومة ستتمكن من إيجاد حل ولن يتم فرض أي حلول على السودان من الخارج سيريل سارتر: الحكومة ستتمكن من إيجاد حل ولن يتم فرض أي حلول على السودان من الخارج ولم يعد أمام الرئيس السوداني القابض على مفاصل الحكم في السودان منذ 30 سنة، سوى عقبة وحيدة وهي إجراء تعديل على الدستور الحالي. وبالفعل تقدم 295 نائبا من حزب المؤتمر الوطني وأحزاب الموالاة بطرح لهذا التعديل وذلك قبل اندلاع الاحتجاجات. ويقضي هذا الطرح بأن تكون دورات الرئيس مفتوحة بدلا من اقتصارها على ولايتين كما ينص الدستور الحالي. ويبدو أن إصرار البشير على البقاء في الحكم، رغم الحراك الجاري منذ 19 ديسمبر الماضي الرافع لشعار “ارحل بس”، دفع ببعض قيادات المؤتمر التي يتصدرها أمين حسن عمر إلى الضغط باتجاه وقف مسار تعديل الدستور لصالح ترشيح البشير. وقال القيادي البارز في مذكرته للبرلمان إن مبادرة تعديل الدستور “باطلة من الأساس”، لافتا إلى أن الدستور منح حق ابتدار التعديلات لرئيس الجمهورية وجعله حصراً على مؤسسة الرئاسة. ولم يعلن الرئيس البشير حتى اللحظة موقفه من الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة، وأيضا موقفه من التعديلات المطروحة، رغم أنه أشار في السابق إلى أنه لا ينوي الترشح مجددا. وأوضح عمر في مذكرته أن “الهيئة التشريعية القومية يجوز لها النظر في تعديلات قد ترد من رئيس الجمهورية ولها إمضاء تلك التعديلات أو تعديلها أو رفضها بالكامل بينما لا يجوز لها بأية حال من الأحوال أو تأويل من التأويلات التي قد ينتحلها المنتحلون أن تبادر بتعديلات من أعضاء بالهيئة”. وأشار في المذكرة الذي اطلع عليها موقع “سودان تربيون” إلى أن “الزعم بأن لائحة الهيئة القومية وهبت حق المبادرة لأعضاء التشريعية، زعم يرده ويبطله أن هذا الحق لا يسنده دستور ولا تشريع واللوائح لا تقف بغير استناد لتشريع أو نص دستوري ولذلك فإن هذه التعديلات وردت من جهة غير ذات اختصاص فهي باطلة ابتداءً”. وأعرب أمين حسن عمر عن استغرابه الشروع في مبادرة تعديل الدستور دون استبانة رأي الجهاز التنفيذي المنوط به إنفاذها. وقال في مذكرته “من المستغرب أن لا تقع استشارة الرئيس لمعرفة اتجاه الرأي لديه تلقاء هذه المبادرة قبل البدء في إجراءات النظر فيها، وبخاصة أنه ورد من رئيس الجمهورية تكرارا ما يخالف نهج الاتجاه الذي تذهب إليه المبادرة، لفتح النص الدستوري المتعلق بالعهدة الرئاسية لأكثر من دورتين”. ولفت إلى أن الاتجاه الذي تذهب إليه المبادرة في التعديل المقترح يخالف مخرجات الحوار الوطني، التي التزم الرئيس بإنفاذها جميعا. ونوه إلى أنه بعد إعلان الرئيس البشير 2019 عاما للسلام والوفاق فليس من الحكمة الدفع بمبادرات “قد تشكل عائقاً دون تحقيق هذا المقصد النبيل”. ويرى مراقبون أن المذكرة التي تقدم بها حسن أمين عمر تعكس وجهة نظر الكثيرين داخل حزب المؤتمر الوطني، وإن كان معظمهم لا يريد المجاهرة بالأمر. ويقول المراقبون إن موقف هؤلاء يبقى رهين استمرار الحراك الشعبي الذي خفت وتيرته في الأسابيع الماضية، بالمقابل فإن جميع المؤشرات توحي بأن الرئيس السوداني البالغ من العمر 75 سنة لا يفكر في إنهاء مشواره في سدة الرئاسة، أيا كانت التضحيات. ويشير هؤلاء إلى أن ما يعزز ثقة البشير في طرق أبواب الولاية الثالثة هو موقف المجتمع الدولي الذي لا يبدو متحمسا في دعم الحراك الاحتجاجي. وأعلن المساعد الخاص للرئيس الأميركي وكبير المستشارين لأفريقيا بمجلس الأمن القومي سيريل سارتر، خلال زيارة بدأها الأحد إلى الخرطوم لبحث المرحلة الثانية من الحوار بين الجانبين حول رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، أن واشنطن على ثقة بقدرة الحكومة السودانية على تجاوز الأزمة دون حلول خارجية. وقال سارتر “مع مزيد من الصبر ستتمكن الحكومة من إيجاد حل سياسي ولن يتم فرض أي حلول على السودان من الخارج”.
مشاركة :