استضافت العاصمة البولندية وارسو المؤتمر الذي وصفه وزير الخارجية الأمريكي «مايك بومبيو» ب (الاجتماع بالتاريخي في مواجهة الخطر الإيراني)، لكن هذا المؤتمر ما هو إلا شرارة البداية للإجماع الدولي على ضرورة التصدي للتهديدات الإيرانية التي تزعزع أمن واستقرار الشرق الأوسط بأكمله. يقول بومبيو، «نحن 60 دولة هنا في وارسو نعتبر أن طهران تشكل أخطر تهديد في الشرق الأوسط وأن العالم لا يستطيع تحقيق السلام والأمن في الشرق الأوسط بدون مواجهة إيران، العدوان الإيراني في المنطقة خطر حقيقي، ونريد أن يتوحد العالم من أجل إدانة الأنشطة الإيرانية، ليس هناك أي دولة دافعت عن إيران في مؤتمر وارسو، وثمة إجماع على دور طهران المزعزع». وقد أتت أهمية مؤتمر وارسو كونه أكبر تجمع دبلوماسي والأول من نوعه الذي يتم تنظيمه للتصدي للنظام الإيراني، كما أنه يأتي في وقت بالغ الأهمية والدقة، فأي ضغط إضافي على النظام الإيراني، سواء كان دبلوماسياً أو اقتصادياً يساعد على تقويض سلطة نظام ولاية الفقيه، خاصة أن طهران تعاني من أسوأ أزمة اقتصادية منذ نشأتها عام 1979. وفي مرحلة ما بعد وارسو نشأ اجماع دولي على أهمية مواجهة الخطر الإيراني وسعي ملالي طهران للتوسع وبسط النفوذ في منطقة الشرق الأوسط على حساب أمن واستقرار دول المنطقة، وخير دليل على ذلك ما يحدث في العراق وسوريا واليمن ولبنان من تقويض الدولة ورهنها لرغبات الملالي في طهران، فالخطر الإيراني قد بات هو الخطر الأكبر الذي يهدد المنطقة، من خلال تصدير الملالي لخطر الإرهاب ومشروع الفوضى لتقويض المنطقة. أما في ميونخ فقد كان الملف الإيراني حاضراً أيضاً بقوة، فقد شدّدت الولايات المتحدة خلال مؤتمر ميونخ للأمن على ضرورة انسحاب الأوروبيين من الاتفاق النووي مع طهران، مشدّدة على أنّ إيران أكبر راعٍ للإرهاب في العالم، حيث دعا نائب الرئيس الأمريكي «مايك بنس» الحلفاء الأوروبيين إلى التوقّف عن عرقلة العقوبات الأمريكية على إيران، والانسحاب من الاتفاق النووي، وقال بنس أمام مؤتمر ميونيخ: «حان الوقت لأن يوقِف حلفاؤنا الأوروبيون عرقلتهم العقوبات الأمريكية على إيران وأن ينسحبوا من الاتفاق النووي، إيران أكبر راعٍ للإرهاب في العالم، عبر دعم حلفائها في الشرق الأوسط وتخطيطها لهجمات في دول أوروبية، لن نقف ساكتين بينما حلفاؤنا يشترون أسلحة من خصومنا»، مؤكداً على أن إيران تتنفس الكراهية وتصميم بلاده على مواجهتها. على النقيض فإن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قد دافعت عن الاتفاق النووي مع إيران في وجه الانتقادات الأمريكية، قائلة: «صحيح أننا متفقون مع الأمريكان على هدف وضع إيران تحت ضغط، لكنْ هناك خلافاً في وسائل التنفيذ». وعلى الرغم من الدفاع الأوروبي عن الاتفاق فإن المرشد الإيراني آية الله علي خامنئي حذر حكومة بلاده من خداع الدول الأوروبية الموقعة على الاتفاق النووي، ونقل التلفزيون الرسمي عن خامنئي قبل أيام قوله: «العداء الأمريكي حيال إيران واضح.. قلب أعدائنا ينضح بالعداوة للجمهورية الإسلامية، يتعين على مسؤولينا ألا يقعوا في خداع الأوروبيين، لا تنخدعوا بالأوروبيين». يُذكر أن وزير الخارجية الإيراني «محمد جواد ظريف» اعتبر مطلع الأسبوع الماضي، أن الآلية الأوروبية للتجارة مع إيران لا تفي بالغرض، قائلاً: «إن على ألمانيا وفرنسا وبريطانيا بذل جهد أكبر لإظهار التزامهم بالاتفاق النووي المبرم مع إيران في 2015»، مضيفاً: «ينبغي أن تكون أوروبا مستعدة لتحمل المخاطر إذا أرادت أن تسبح ضد تيار الأحادية الأمريكية». من جهته رد وزير الدولة للشؤون الخارجية السيد «عادل الجبير» على الاتهمات التي أطلقتها طهران بحق باكستان، وتهديداتها ضد الرياض والإمارات، على خلفية هجوم زاهدان الذي استهدفت عناصر من الحرس الثوري، وقال الجبير في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الباكستاني «شاه محمود قريشي» في مقر وزارة الخارجية الباكستانية بإسلام آباد، إن إيران الراعي الرئيسي للإرهاب في العالم منذ عقود، وأضاف الجبير متسائلًا: «كيف لإيران أن تتهم الآخرين بالقيام بأنشطة إرهابية وهي الراعي للإرهاب؟». في سياق آخر متصل، فقد دعا رئيس وزراء لبنان الأسبق «فؤاد السنيورة» إيران إلى الكف عن تدخلاتها المستمرة في شؤون الدول العربية، وقال السنيورة على هامش القمة العالمية للحكومات: «أتمنى أن تتعقّل طهران ونصل لليوم الذي نمد فيه أيدينا لبعض بعد التوقف عن التدخل في شؤوننا، فبعض الناس لا يفهمون حدودهم، فالطوفان بإمكانه أن يدمر حاجزاً أو اثنين أو ثلاثة، حتى يصل إلى حاجز يقوم بإيقافه». في سياق آخر؛ فإن الاقتصاد الإيراني، وبعد بضعة أشهر فقط من فرض الحزمة الثانية من العقوبات الأمريكية قد أصبح في حالة بائسة، فقد انخفضت قيمة العملة، وارتفعت معدلات التضخم والبطالة، كما تقلص الناتج المحلي الإجمالي العام الماضي، ويبدو أنه سيتقلص بنسبة أكبر هذا العام، وانخفضت أيضاً صادرات النفط الإيرانية، وانعكس ذلك على عائدات الحكومة، كما أدت العقوبات على المعاملات المالية الإيرانية إلى شل النشاط الاقتصادي في عدد من القطاعات الأخرى، بما في ذلك السيارات والغذاء والدواء، وعلى الرغم من توصل البنك المركزي الإيراني إلى تثبيت سعر الصرف، لكن ذلك جاء على حساب استنزاف الاحتياطيات الأجنبية، وفي سياق استغلال الظروف السيئة فإن عدداً من نواب البرلمان الإيراني يسعون لاستجواب الرئيس الإيراني حسن روحاني على خلفية الأزمة الاقتصادية المستمرة، ونقلت تقارير إخبارية أن روحاني سيرد على أسئلة النواب بشأن 14 قضية، من بينها البطالة والتضخم، ولم يحدد بعد موعداً للاستجواب، وأعدت مجموعة من النواب المتشددين مشروع قرار الاستجواب بهدف سحب الثقة من روحاني وعزله، ويسعى التيار المتشدد لاستغلال التدهور الاقتصادي للضغط على روحاني لترك منصبه، وسيكون هذا الاستدعاء لروحاني هو الثاني له منذ انتخابه رئيساً عام 2013، وأشارت تقارير إلى أن الاستدعاء ربما يقود إلى تصويت بالثقة. وفي الوقت نفسه، فإن نقص بعض السلع الاستهلاكية والأساسية يغذي الإحباط الشعبي لدى جموع الشعب الإيراني، وفي سياق الفشل الإيراني المستمر والإحباط.
مشاركة :