لا يزال المجتمع المصرى عالقا ولا يدرى ما عليه فعله بالضبط، ويلات الماضي الاجتماعي الأليم تحاصره وتدفعه ليعترض لكن ضبابية المستقبل تقف حائلا بينه وبين اكتمال وعيه من حيث تبدو الأحداث أسرع من ان يتفاعل معها ثم تعاود الهدوء وتبدو أبطء من أن يدركها.فرغم ثورته الأولى والثانية إلا أنها ما زالت في نظر البعض فوضى ومؤامرة كونية وفي نظر البعض الاخر القليل ثورة شعبية مجيدة هذا الاختلاف يرجع لعجز هذا المجتمع عن تعريف الثورة أصلا وادراك حقيقة ما قام به فهو يجهل أن الثورة ممكن ان تبدأ بقراءة كتاب أو مقاطعة منتج او مقاطعة افلام سينمائية هابطة وان الحركة الشعبية في الشارع تستلزم لاكتمالها وتحقيق تأثيرها ضمير جمعي يقظ يمارس الثورة في كل جوانب حياته بشكل يومي.وأن تكون الثورة الشعبية فِعلًا ليس بغريبا عليه و جزءً من طبيعته فمثلا ان تكون من عادات المواطن المصرى اليومية ان يشترى ما يحتاج ويترك ما لايحتاج حتى وإن كان مجاني او ان لا يقبل اهانة من أحد حتى وان كانت هناك منفعة مشتركة وان يعتزل ما يؤذية حتى وان كان ضرورى وان يحترم المذنب لأنه انسان وان يحاسب المخطئ بعدل وليس بإنتقام لكن الحقيقة ان المجتمع المصرى بعيد كل البعد عن تلك الممارسات اليومية فهو أسرع مجتمع يتخلي عن رجاله ونخبته او كاتبه وملهمه اذا لم يوافق مزاجه العام ويكون اول القاذفين عليهم بالحجارة بعد ما كان بالأمس يهديهم الورود لذلك ثوراته تموت قبل ان تولد وتحتاج دائما الي قوة توجه مسارها وليس الي حكمة او برنامج تخطيطي محدد لأنه ليس شريك في بلورة ما قام به فتشعر وكأنه مُقلد وغير قاصد للثورة بل اعتبرها موضة عصرية عبّر فيها عن معاناته وألامه وغضبه لذلك انا أختلف مع كل القائلين ان المجتمع المصرى تم تجهيله عمدا وانه ضحية وانه مظلوم علي كل الأصعدة بينما الحقيقة هي أن من يقول هذا الكلام مُستبد أخر يرى ان المجتمع ليس شريكا في مسؤلية حكمه وانه طفل صغير يحتاج من يرعاه أو يؤدبه فأنا أرى أن كل مجتمع مسؤول مبدئيا عن طريقة حكمه وهو الذي يحدد لحكامه مساحات التحرك في إرضائه او في بطشه وهو الذي يختار فنه الذي يشكل وجدانه و ان صمته امام منافقيه وفاسديه هو ليس ضعف بل هي موافقة ضمنية علي افعالهم وانه لو كان مكانهم لفعل ما يفعلوه مع ألف مبرر وتحت ألف غطاء .. أنا لا أطلب ان يكون المجتمع علي درجة واحدة من الوعي فهذا مستحيل وادرك ايضا أن عامة كل مجتمع لا يعنيهم بالضرورة امور الشأن العام السياسي كان او الاقتصادى والاجتماعي لكن علي الأقل لكل مجتمع نخبة من العقلاء والمثقفين تتحمل هى مسؤولية اتساع وعيه لكن الأمر هنا مختلف فالمجتمع المصرى يسخر من عقلائه ومثقفيه ويعتبرهم معقدين أو خارجين عن الدين أو مجانين ومساكين لكنه علي النقيض يلتف حول كل ما هو بسيط وساذج من المواد الثقافية او الفنية .ذلك لأن مجتمعنا المصرى يلقي بكل عذابات العقل والتحليل والتفنيد وراء ظهره ويطمئن أكثر للخطاب المعنوى البسيط الذي يحميه من عذاب الشكوك وعناء التفكير ويعفيه من كل مسؤولية. لهذا وباختصار شديد أنا أؤمن أن كل مجتمع يستحق نفسه بجدارة.
مشاركة :