في وصف المجتمعات وتحليلها وفهم ما يدور فيها لا تخدما الأرقام والجداول أو الإحصاء فهي تعبر عن الفرد برقم ضمن جدول نبل ان وصف المجتمعات اقرب للكيمياء هذه الكلمة السريعة المعبرة التي اصبحت بمثابة تعبير مجازي تصف به اي علاقة ودية حدثت بينك وبين شخص ما من اول لقاء او حوار وتبقى هذه الكلمة احد مفردات العبقرية المصرية في وصف اي تفاعل انساني واجتماعي منسجم وبما أنى وأبناء جيلي كنا أحد المكونات الرئيسية في هذه التفاعلات خصوصا أن شبابالأمس هم أباء اليوم.. فنحن أكثر من يعاني وهو يدفع فاتورة الماضي القريب لقد سقط هذا المجتمع يدور فى دائرة غلبت فيها المصلحة ولا صوت فيها يعلو فوق صوت لقمة العيش ومن أجل الحصول علي أبسط الحقوق كالحب والزواج يجب جلب تلك اللقمة علي حساب انفسنا او حتي علي حساب الاخرين لقد كان هذا هو الناتج الطبيعي لقرارات الانفتاح والرأس مالية في سبعينيات القرن الماضي من حيث أصبح المال سيد الموقف و محركه، فشوهت العبقرية المصرية وأنتجت أمثال شعبية من نوع " الجنية غلب الكارنيه " و " الراجل ميعبوش إلا جيبه " وتحول كل شئ الي سلعة بين بائع وزبون فالزواج يساوى قرش والإنجاب يساوى قرش والآدمية تساوى قروش حتى أن وصلنا "للي معاه قرش يسوى قرش" ومن ثم تكفين ودفن كل من لا يخضع لميدأ السوق ( البائع _ السلعة _ الزبون ) وبما أن " الزيون دائما علي حق " ، فالشهادة نكتة و الفهلوة علم والمحسوبية شطارة والعمل سبوبة بينما الأمانة والصدق والبحث والعلم بضاعات غير رائجة لا تصلح للدعايا والإعلان وعادة لا يطلبها المستمعون ، أخبرني عن معلم أهلكته الظروف وأصبح ينظر لتلميذه كمئة جنيه أو إلي طبيب مُحبط ينظر إليك كورقة كشف كل هذا تقبله شباب الأمس واعتادوه أما شباب اليوم فلم يعجبهم الوضع وقرروا تجاوز الدائرة وكسر المألوف وما كانت ثورتهم ميدانية فقط بل كانت ثورة علي ما فات وأصبح راسخا في أذهان من سبقونا ..خرج الشباب عازفا مقطوعة الحرية منشدا أبياتها المقدسة لكن سرعان ما إكتشف ان الثورة أدخلته امتحانه الأول حيث وجد نفسه أمام أسئلة لا يملك لها إجابات الحرية أم الأمان؟ سؤال الواقع.. والأمان دوما إجابة المطحونين ووقف الشباب يناقش ماهية السؤال الغير عادل، حيث لا مفاضلة بين شيئا واحدا بينما إنسحب الوقت سريعا من سؤاله المشروع وبحث عن إجابة أكثر تنظيما عند آخرين وأدركنا جميعا وقتها أن القضية أكبر من حدود بلادنا وأننا كالصغير الذي أطلق الرصاص عفويا علي السارق كان هذا كاشفا عن براءة قلوبنا أمام حماقة هذا العالم كنا نقلب سريعا صفحات الحرب العالمية الأولي والثانية وكنا ننظر للعالم بعيون طموحة لا تري سوي الفصل الثاني في حياة اليابان الحديث ، لم نكن نستطيع أن نتأمل ملايين البشر المقتولين في الحربين ولم نعي أن أمريكا بالقنبلة الذرية قد إرتكبت أبشع جرائم الإنسانية لكي تحكم وتصنع عالمها الجديد فتفرض القانون مع الدولار وتبني معابد البنكينوت وتنقلنا جميعا من عصر الذهب إلي بورصة الأوراق فسقطنا جميعا في قبضة ميكافيللي فلم تعد أقوال الحكماء في التاريخ تسعفنا .. فالحكمة تقول ... اذا أردت أن تعرف أين الحق فانظر إلي أين تذهب سهام الباطل وهنا نرى تركيا ترتدي جلباب العثمانيين وتتزعم العالم الإسلامي وتصر علي قتل وقمع الأكراد خوفا علي دولتها لكنها علي الجانب الأخر تشارك بحفاوة في إطفاء غابات إسرائيل المحترقة العام الماضي ولتتأمل سوريا فالقاتل والمقتول عرب والقذيفة أجنبية الصنع ولتحترق ألف سوريا في سبيل برميل نفط أو أسطوانة غاز والعالم العربي يعزف صمتا أمام قرار القدس عاصمة إسرائيل لقد كانت الثورة برقا خاطفا كشف مزيدا من عوار شرقنا الحزين .. لهذا تتسع الفجوة ويتسع الخلاف بيننا وبين الآباء، ضحايا الأمس وقدوة اليوم، فكبيرنا قسى علي الصغير و صغيرنا جحد الكبير فأصبح المُعلم لا يفهم التلميذ والقاضي يجهل المتهم والإثنين في المظلومية سواء ... والقول المأثور يقول أن الإنسان القديم قد طلب الحكمة وأضله الهوي وأن المرء قد يتعلم من خصمه ما لا يتعلمه من صديقه ... فلا خلاص لنا إلا بالوعي الممزوج بالتجربة و الذي لا يتحقق إلا بالعلم ، هذا المُباع علي أرصفة الأزبكية بعدة جنيهات ، أظن أننا هنا نفهم من أين سقطنا ومن أين نصعد.
مشاركة :