في الحروب والأوقات الاستثنائية تتساوى الحاجة للحكمة والشجاعة، حكمة بلا شجاعة ضعف وشجاعة بلا حكمة تهور، هذا على الأقل ما تعلمته طوال ربع قرن من التغطيات العسكرية والحوادث الأمينة، في اليمن تجد الحكمة والشجاعة كتوأم ملتصق سيامي، طوال أربع سنوات من التغطية الإخبارية لملحمة الشعب اليمني، عايشت الكثير من شجعان اليمن وعاهدت نفسي أن أروي للأجيال قصصهم، وفي ما تبقى من سطور هذا المقال سأذكر ثلاث حالات من الشجاعة اليمانية الأسطورية. الشهيد أحمد صالح العقيلي (قائد لواء الحزم)، اتصل بي قبل ليلة من تحرير بيحان في شبوة وطلب مني الإلتحاق به، قطعت الطريق من مأرب إلى شبوة بأسرع ما يمكن، وصلت مع خيط الفجر الأول وكانت المعركة على وشك الانطلاق، رافقته لمدة عشرين ساعة كانت كافية لحسم المعركة وإعلان شبوة محافظة محررة بعد تحرير مناطق طوال السادة والنقوب وعسيلان والصفرا وبيحان ووادي الخير والاندفاع إلى مديريتي ناطع ونعمان في محافظة البيضاء، انتصار خارج حدود المعقول، كان العقيلي ومعه أبناء قبائل شبوة ومأرب وكل اليمن يكتبون تاريخ الأمة العربية الحديث، العقيلي كان لا يغادر المترس الأول وكان يردد جملة ترسخت في ذاكرتي إلى الأبد (لا قيمة لرجولتنا ان سمحنا لمليشيا الحوثي ان تبقى في صنعاء) رحل وترك ارث ثمين من الحكمة والشجاعة. الاستثانئي الشهيد وجه الخير بن هضبان، هذا الرجل من أساطير العصر، ابن محافظة الجوف الذي قاتل حتى قطعت قدمه فعاد إلى الميدان بقدم اصطناعية، يعشق المترس الأول ولا يغادره إلا منتصرَا، كان يمثل شخصية رجل القبيلة اليمانية بكل ما تحمل الكلمة من عنفوان وشموخ، لم يترك المتارس حتى عند وفاة أربعة من أبناءه بحادث سير واستشهاد العديد من أبناء قبيلته، أصيب عدة إصابات ويتماثل للشفاء ويعود للجبهات، وكان أخر إصابه له عندما أصيب بلغم بتر رجله وكان على سرير المرض بالمستشفى، وينشد: يا قدم رجلي تحمل لإصابة ردني لمقدمات الصفوف كان رجل حكمة وشجاعة الشهيد مطهر الصنعاني، مقاتل بصيغة جبل، هجم لواء 102 لتحرير سلسلة جبال عرف في محافظة صعدة، المليشيات كانت تتمترس في قمة جبل الغرة، وهي أعلى قمة في مديرية باقم، ولأن المليشيات كانت تتمترس في أعلى الجبل، فقد انسحب الجيش الوطني تكتيكا ليسمح للطيران بإكمال المهمة، مطهر رفض الانسحاب وردد عبارة مشهورة يتناقلها الجنود لحد هذا اليوم، سأحرر الجبل وحدي ولن يخذلني -الله-، ما حدث هو الإعجاز العسكري، جلسنا نراقبه بالمنظار؛ وفعلًا نفذ المهمة وحيدًا وقتل ٩ من عناصر المليشات؛ إلا أن لغم جبلي غادر تسبب باستشهاده، تحرر الجبل وأصبح إسمه جبل مطهر بعد أن كان إسمه الغرة. ــ لمحة: انتفاضة القبائل هي المسمار الأخير في نعش المليشيات، قبائل اليمن مترابطة ومتصاهرة، وستضع نقطة النهاية في أخر سطر الانقلاب الحوثي الإيراني.
مشاركة :