الرياض - وكالات: بعد مرور شهر على افتتاح النسخة العربية من صحيفة “إندبندنت” البريطانية، بدت مسخاً عن النسخة الأمّ المعروفة بالمهنية والحيادية في نقل الحقيقة. الصحيفة البريطانية الشهيرة أعلنت، في 24 يناير الماضي، إبرامها صفقة جديدة مع المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق “SRMG”، لإطلاق أربعة مواقع لها باللغات العربية، والتركية، والفارسية، والأردية. وتهدف المواقع الأربعة إلى نشر أخبار وتحليلات عن الأحداث والعلاقات الدولية، إضافة إلى مقالات وتقارير مترجمة من النسخة الإنجليزية الأم، وفق البيان الذي صدر آنذاك. وقال المدير العام لمؤسسة “إندبندنت” الإعلامية، زاك ليونارد، إن الصفقة الجديدة ستمكّن الصحيفة البريطانية من الوصول بمعدل أسرع إلى جمهور الشرق الأوسط. وتمتلك شركة “SRMG” عدداً من المشاريع الصحفية العربية البارزة؛ مثل الشرق الأوسط، و”Arab news”، ومجلة “سيدتي”، إضافة إلى مواقع ناطقة بالأردية والماليالامية (إحدى لغات جنوب الهند). غياب المهنية وخلال نحو شهر من ولادة النسخة العربية، ظهرت بعيدة عن قيم النسخة الأم المهنية الليبرالية في الصحافة؛ فقد تبنّت أجندة السياسة السعودية المثيرة للجدل بالكامل، خاصة في عدائها لقطر وتركيا. فمثلاً لم تنشر الصحيفة خبراً عن فوز قطر بكأس آسيا لكرة القدم، شأنها شأن باقي إعلام دول الحصار، خاصة في السعودية والإمارات، اللتين تجاهلتا الحدث الأبرز. كما نشرت مقابلة لرئيس الاستخبارات السعودي الأسبق، بندر بن سلطان، يوم الثلاثاء (19 فبراير 2019)، كال فيها العديد من العبارات المُسيئة لدولة قطر، والتي تضر بالوحدة الخليجية، عبر المنصة التي يفترض أن تلتزم معايير النسخة الأم. كما نشرت الصحيفة مواد وتقارير صحفية تتهم تركيا بسرقة الآثار والمصانع والزراعة السورية، وهي التهم التي يجدها كثيرون مُضحكة؛ لكون النظام السوري دمّرها من خلال آلته العسكرية. ويمكن القول إن النسخة العربية من “إندبندنت” امتداد لإعلام دول الحصار الذي فقد مصداقيته في عددٍ من الأحداث الكبيرة؛ وأبرزها يوم قرصنة وكالة الأنباء القطرية “قنا”، إذ رفضت النسخة العربية من قناة “سكاي نيوز” البريطانية، والتي تتخذ من الإمارات مقراً لها، نشر البيان الرسمي القطري الذي نفى التصريحات المفبركة المنسوبة لصاحب السمو أمير قطر، في مايو 2017 لتبيّن التحقيقات الدولية، العام الماضي، أن عملية القرصنة للوكالة جرت بإشراف أبوظبي. من يديرها؟ لكن تغطية كهذه لا يمكن أن تكون مفاجئة إذا ما عرفنا أن من يرأسها هو عضوان الأحمري، الصحفي السعودي المقرّب من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. برز نجم الأحمري بشدة خلال ظهوره الإعلامي لتبرير وجهة النظر الرسمية السعودية حيال قضية اغتيال الصحفي السعودي، جمال خاشقجي، في قنصلية بلاده بإسطنبول، في أكتوبر الماضي، حيث كان مدافعاً شرساً عن جرائم ولي عهد السعودية، محمد بن سلمان، رغم التقارير الاستخبارية الدولية التي تؤكد دوره في الجريمة. كما يمكن لمن يدخل حسابه في “تويتر” قراءة التغريدات “اللا أخلاقية” بحق كلٍّ من قطر وتركيا، الأمر الذي يطرح تساولاً كبيراً؛ هو كيف قبلت النسخة الأم بشخص كهذا ليدير اسمها في منطقة الشرق الأوسط؟ ويعرّف الأحمري عن نفسه بأنه يمتلك خبرة 16 عاماً في مجال الصحافة، فقد كان له مقال أسبوعي في “صحيفة الوطن” السعودية، بين عامَي 2003 و2012، بين الرياض وواشنطن، ومراسلاً لـ”صحيفة إيلاف”، بين 2004 و2005، ومراسلاً ومُعدّاً تلفزيونياً في “قناة أوربت”، من خلال برنامج “من الرياض”. وفي هذا الإطار، يتهم الخبير الإعلامي حسام شاكر جهات عربية بأنها تسعى من خلال توطين التجارب الإعلامية الأوروبية والأمريكية إلى تعبئة معاركها الإقليمية بعيداً عن مبادئ الشبكات الأم، متهماً الأخيرة ببيع اسمها مقابل المال، وبذلك تضحّي بنزاهتها وتاريخها. ويضيف في حديث لـ”الخليج أونلاين”: “من المؤسف عدم وجود رقابة من المؤسّسات الأم لنسخها المَبيعة للعالم العربي، والتي باتت أبواقاً دعائية شهدناها في السنوات الأخيرة، فيها فقط الاسم الغربي، لكن المضمون متحيّز لدولة شمولية سلطوية”. ويوضح أن هذا يأتي على حساب وعي الجمهور والتقاليد المهنية، مضيفاً: “للأسف باتت البيئة الإعلامية، في الخليج تحديداً، تتبنّى منهج التزييف ونشر الأخبار الكاذبة، وقد ظهر ذلك بوضوح خلال بثّ تصريحات مكذوبة منسوبة لصاحب السمو أمير قطر، وافتعال الأزمة الخليجية”. ويُرجع شاكر بيع مؤسسات عريقة لأسمائها إلى شبكة مصلحية نفعية مالية في الغرب، ونحن نرى ذلك ليس فقط في الإعلام، بل في شبكات بيع الأسلحة والمؤسسات الأكاديمية الغربية أيضاً.
مشاركة :