جماعة (قوقل) لا يعرفون شيئًا عن حجم السعادة والمتعة التي يشعر بها أهل الكتب عند امتلاكهم معلومة أو فائدة حصلوا عليها بأنفسهم بين السطور والصفحات، بعيدًا عن أزرار (ابن العم) الذي عطل العقول، وضيّق المدارك، وضيّق الأفق، وأنهى عصر الاعتماد على الذاكرة والاسترجاع، رغم اعترافنا بأنه لا غنى لنا عنه في اختصار الوقت والجهد، وسرعة الحصول على ما نريد، وتوثيقه بالزمان والمكان، ولكن الركون إليه طوال الوقت وفي سائر شؤون المعرفة غير مفيد، ويقود إلى انتشار (الجهل المركب) بين صفوف المثقفين الجدد ممن يدعون الفهم رغم عدم امتلاك المعرفة. تأكد أن ما تحصل عليه عبر (قوقل وإخوته) من محركات البحث يشبه إلى حد كبير (رغوة الكابيتشينو) في كوب القهوة؛ حجمها كبير، وتأخذ حيزًا من الكوب، ولكنها دون فائدة أو طعم، وسرعان ما يتم التخلص منها؛ لذا هناك فَرْق كبير جدًّا بين المعرفة والثقافة المرتكزة على أصولها والمتجذرة من سعة الاطلاع والفهم، وشعور المعرفة الطارئ والسريع بنظام (التيك اوي)، وهو ما ابتُلي به جمهور (المقوقلين) عفا الله عنا عنهم. (قوقل أو القوقلة) في قاموس المعجم الوسيط ولسان العرب والقاموس المحيط تعني الصعود؛ فيقال (قوقل في الجبل) أي صعد وابتعد وارتفع. وفي عصرنا الحديث هي داء أصاب نفرًا من البشر، وجعل معرفتهم لا تتجاوز شاشات هواتفهم الذكية؛ فلو سألته عن اسم أو معلومة أو حتى عن تاريخ اليوم لنظر إلى هاتفه بسرعة، وبدأ يتمتم على طريقة (الساحر) لإحضار الإجابة؛ وهو ما يعني أن العقول معطلة.. ولتنشيطها بالشكل الصحيح علينا الرجوع (قليلاً) للقراءة والاطلاع، الوسيلة الوحيدة للتثقيف الصحيح، والتزود بالمعارف والعلوم، والنضج الفكري والعقلي؛ فنحن اليوم نرتكب جريمة معرفية وعلمية بحق أنفسنا وأطفالنا عندما نبتعد عن القراءة التقليدية، ونتجاهل فوائدها المتعددة في بناء الشخصية؛ فالمعرفة والاطلاع سيبقيان الأرضية الصلبة التي تؤسس البناء الصحيح، قبل تدعيمه وتطويره بالاستعانة بمحركات البحث، والاستزادة منها في مراحل لاحقة. لست ضد استخدام (قوقل) أو (جوجل) أو (غوغل) بحسب نطقك ولهجتك، إضافة لـ15 محرك بحث آخر، قد لا يعلمها الكثير من الأشخاص، تساعد في استرجاع المعلومات والحصول عليها بسرعة فائقة وسهولة؛ فالاستعانة بها تزيد من الثورة المعرفية؛ كي لا تبقى حكرًا في يد فئة ضئيلة من الناس، وتصبح المعرفة حقًّا مشاعًا ومشروعًا للجميع بالتصفح والاطلاع، ولكن لو توقفنا عند فوائد القراءة وتأثيرها عقليًّا وذهنيًّا ومعرفيًّا وصحيًّا، ونتائجها، والمتعة التي يشعر بها أهل القراءة والاطلاع، لعدنا لها كي لا نبقى طوال الوقت حبيسي المحركات البحثية وسحرها الذي لن يتوقف. وعلى دروب الخير نلتقي.
مشاركة :