هل يحق لصحافي (سي حافي) عربي أن ينتقد الميديا الغربية، وتحديداً الأميركية؟ نحن في بلاد يعاني الإعلام فيها من نقص الحريات وتراجع الدخول، وهجمة التكنولوجيا الحديثة على صحافة وصحافيين من دون سلاح. كانت تجمّعت لي مادة صحافية كثيرة في واحد من الملفات التي تملأ مكتبي، وربما ما كنت لأكتب اليوم لولا أن جماعة «صحافيون بلا حدود» نشرت تقريرها السنوي عن حرية الصحافة حول العالم، وهو خلا من أي مفاجأة، فالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أي الأمة العربية التي جعلت من الجهل والتخلف والتطرف سياسة، في القعر بلا منافس. أفضل الدول هي في الاتحاد الأوروبي والبلقان، وبعدها هناك أميركا الشمالية والجنوبية، ثم أفريقيا، وآسيا - المحيط الهادي، وأوروبا الشرقية وآسيا الوسطى، وأخيراً شمال أفريقيا والشرق الأوسط... يعني نحن. كل الدول تراجعت في المؤشر، بما فيها الولايات المتحدة، ربما بسبب ملاحقة القضاء الصحافي في «نيويورك تايمز» جيمس رايزن، للحصول على مصادر معلوماته عن قضية تجسس المتهَم فيها جيفري ستيرلنغ، وهو عميل سابق لوكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أي). وقرأت أن لهذا الصحافي حقاً دستورياً واضحاً في كتم مصادره. كان هناك أيضاً بريان وليامز، مقدم نشرة أخبار إن بي سي، فقد اعترف أخيراً بأن زعمه أنه تعرّض لوابل من الرصاص وهو ينقل أخبار الغزو الأميركي للعراق سنة 2003، كان مُختلقاً. هو قال أنه أخطأ بعد 12 سنة على الحادث المزعوم، أو اختلطت عليه التفاصيل، إلا أن لا أحد يصدقه. أهم من هذا وذاك، أن «فوكس نيوز» أصبحت نكتة أو مزحة، وفق رأي مجلة «ذي نيشن» الرصينة، بعد أن ارتكب أحد «خبراء الإرهاب» أخطاء فاحشة عن الإسلام والمسلمين في إنكلترا، ثم تراجع واعتذر. كنت أشرت إلى هذه القضية، وأزيد اليوم أن مقدمة البرنامج الذي أطلق الفضيحة جينين بيرو، سياسية جمهورية سابقة وفاشلة، وأنها تزوجت يوماً بمُدانٍ بالتهرّب من الضرائب. وأقرأ حملات في ميديا ليكود أميركا على «نيويورك تايمز» التي يملكها يهود، وأختار منها اليوم حملة مجلة «كومنتري» الحقيرة على الصحافي توماس فريدمان، وهو يهودي أميركي معتدل وله صدقية، لأنه انتقد خطاب مجرم الحرب بنيامين نتانياهو، الشهر المقبل أمام جلسة مشتركة لمجلسي الكونغرس. فريدمان قال أن رئيس وزراء إسرائيل سيحرّض الولايات المتحدة على شنّ حرب على إيران، ونتائج ذلك، وكلامه صحيح أؤيده بمقدار ما أعارِض الإرهابيين. وسرّني أن افتتاحية «واشنطن بوست» تسبّبت في حملة على الجريدة كلّها من موقع «ناشيونال إنترست» المحترم، لأنها عكست رأي المحافظين الجدد، وهم كثيرون بين صفحات الجريدة، وقد رصدتُ دائماً تجاوزاتهم. مرة أخرى، نحن في قعر قائمة الصحافة. وأفضل موقع هو للكويت (90)، ولبنان (98)، وقطر (115)، أما الآخرون فبَيْن بَيْن. إسرائيل في الموقع 101، وجماعة «صحافيون بلا حدود» تدينها، بل تهينها وهي تقول: في الضفة الغربية، قوات الأمن الإسرائيلية استخدمت رصاصاً مطاطياً وقنابل الغاز ضد صحافيين فلسطينيين، وقد قتِل 15 صحافياً في الهجوم على قطاع غزة، وشددت الحكومة الإسرائيلية الرقابة على التلفزيون خلال الهجوم. إذا كانت إسرائيل تحتلّ المركز 101 على رغم كل هذه الجرائم، فماذا فعلت سورية وهي في المركز 177، أو الرابع قبل الأخير؟ ربما عند القارئ الجواب.
مشاركة :