يقول البابا الراحل شنودة الثالث، بكتاب «روحانية الصوم»، إن الصوم دون صلاة يكون مجرد عمل جسداني، وأن ذلك يفقده طابعه الروحى ويفقد فائدته الروحية، فليس الصوم هو الاكتفاء بمنع الجسد عن الطعام، فهذه ناحية سلبية، إنما الناحية الإيجابية فتظهر فى إعطاء الروح غذاءها.الذين يصومون، وليس فى صومهم أى عمل روحي، لا صلاة، ولا تأمل، ولا قراءات روحية، ولا ألحان ولا تراتيل، ولا مطانيات، هؤلاء تكون أصوامهم ثقلًا عليهم، وبلا فائدة. والسؤال هنا ما الفرق بين هؤلاء وأصوام البوذيين والهندوس وغيرهم؟ وأين شركة الروح القدس فى الصوم؟! فالصوم فرصة للصلاة، لأن صلاة واحدة تصليها فى صومك، هى أعمق من مائة صلاة وأنت ممتلئ بالطعام وصوتك يهز الجبل!الكنيسة تعلمنا باستمرار ارتباط الصلاة بالصوم، وفى قسمة الصوم الكبير فى القداس الإلهى تتكرر عبارة «بالصلاة والصوم». والسيد المسيح لما تكلم عن إخراج الشياطين، قال: «هذا الجنس لا يخرج إلا بالصلاة والصوم» وهكذا قرن الصوم بالصلاة، والأصوام المشهورة فى الكتاب، مرتبطة أيضًا بالصلاة.ففى صوم نحميا يقول «فلما سمعت هذا الكلام، جلست وبكيت، ونحت أيامًا، وصمت وصليت.. وقل: «أيها الرب إله السماء.. لتكن أذنك مصغية وعيناك مفتوحتين، لتسمع صلاة عبدك الذى يصلى إليك الآن نهارا وليلًا..» (نح 1: 4-6) وبدأ يعترف بخطايا الشعب، طالبًا الرحمة وتَدَخُّل الرب.. وصوم عزرا أيضًا كان مصحوبًا بالصلاة والصراع مع الله، بقوله: «أمل أذنك يا إلهى واسمع. أفتح عينيك وانظر خرابنا والمدينة التى دعى أسمك عليها لأنه ليس لأجل برنا نطرح تضرعاتنا أمام وجهك، بل لأجل نفسك يا إلهي، لأن أسمك دعى على مدينتك وعلى شعبك «(دا 9: 18،19). وصوم نينوى كانوا فيه « يصرخون إلى الله بشدة» (يون 3:8)، فاصرخوا إلى الرب خلال صومكم، وارفعوا إليه قلوبًا منسحقة.وثقوا أن الله يستجيب لصومك وصراخكم، وينتهر الرياح والأمواج، فيهدأ البحر. حقًا ما أعمق الصلوات، إن كانت فى أيام مقدسة، ومن قلوب متذللة أمام الله بالصوم، ومتنقية بالتوبة، وكم يكون عمقها إن كانت مصحوبة أيضًا بقداسات وتناول. درب نفسك فى الصوم على محبة الصلاة والصراع مع الله. وقد كتبنا لك فى الفصل الخامس مجموعة تدريبات عن الصلاة، والمهم فى صلاتك أن تعطى الله قلبك وفكرك.ولا تحاول أن تريح ضميرك بشكليات، بمجموعة من التلاوات لا عمق فيها وليست حاجة من القلب، ثم تقول: «أنا صمت وصليت»! فالرب يعاتب قائلًا: «هذا الشعب يكرمنى بشفتيه، أما قلبه فمبتعد عنى بعيدًا» (مر 7: 6). إن الصلاة صلة، فاشعر أثناء صلاتك وصومك، بأنك فى صله مع الله. وغن كان تقديس الصوم معناه تخصيصه للرب: فهل فترة صومك خصصتها للصلاة وللعمل الروحي؟هل هى فترة صلاة وتأملات وقراءات روحية، وتخزين روحي، وتفرغ لله وعشرته؟ وهل صلواتك فيها أضعاف صلواتك فى الأيام العادية. وأن لم تخصص فيها أكبر وقت لله، فهل خصصت له مشاعرك وعواطفك؟، إن الصوم المصحوب بعشرة الله، يتحول إلى متعة روحية.وفى هذه المتعة، يحاول الصائم أن يكثر من صومه، ويصبح الطعام ثقلًا عليه، لأنه يرجعه إلى استعمال الجسد الذى استراح منه إلى حين طوال ساعات انقطاعه.
مشاركة :