الصوم هو فترة مقدسة‏،‏ يقترب فيها الصائم إلى الله‏،‏ ولذلك فالصوم يقترن بفضائل عديدة‏،‏ وليس هو مجرد علاقة بين الإنسان والطعام‏،‏ متى يأكل ومتى يمتنع بل بالأكثر‏:‏ الصوم هو علاقة مع الإنسان والله تبارك اسمه‏.‏وكأن الصائم يقول لله: أنا يا رب من أجلك آكل، ومن أجلك أصوم: من أجلك آكل، لكى آخذ قوة أستطيع بها أن أقف في الصلاة، وأن أأدى عملى بطريقة أمينة، وأن أعمل خيرًا مع كل أحد.. وأنا أصوم لكى تستطيع روحى أن تقترب إليك دون عائق من الجسد. الصوم إذن هو فترة مقدسة مثالية غير عادية، يحتاج فيها الصائم إلى تدبير روحى من نوع خاص يتفق مع قدسيتها، في حياة لها سموها، ولا يجوز أن تمر كباقى الأيام إنها صفحة جديدة في علاقتنا مع الله، ندخلها بشعور جيد وبروح جديدة، ونتفرغ فيها لله على قدر إمكاننا، ونعمق علاقتنا به. الصوم هو فترة للتوبة الحقيقية، وفى الحرص على نقاوة القلب، والله يريد القلب النقى أكثر مما يريد الجسد الجائع، والإنسان الذى يصوم فمه عن الطعام، ولا يصوم قلبه عن الخطايا، ولا لسانه عن الأباطيل، فصوم هذا الإنسان باطل، فإذا ما اجتمعت نقاوة القلب مع صوم الجسد يكون هذا وضعًا مثاليًّا. إذن حاول يا أخى القارئ أن يكون صومك قد غير منك شيئًا عن ذى قبل وحولك إلى حياة أفضل، أما إن كانت قد مرت عليك سنوات طويلة تصوم فيها، وأنت كما أنت بنفس الطباع، وبنفس الأخطاء، وبنفس السقطات، فما الذى استفدته أنت من صومك؟! الصوم إذن ليس مجرد فضيلة للجسد بعيدًا عن الروح، وكل عمل لا تشترك فيه الروح لا يعتبر فضيلة على الإطلاق، والصوم الحقيقى هو عمل روحى داخل القلب أولا في علاقة الإنسان بخالقه أما عمل الجسد في الصوم، فهو تعبير عن مشاعر الروح، الروح تسمو فوق مستوى المادة والطعام، فتقود الجسد معها في موكب نصرتها، ويعبر الجسد عن هذا بممارسة الصوم، الصوم إذن ليس هو جوع للجسد، بل هو غذاء للروح، والصوم هو روح زاهدة، تشرك الجسد معها في الزهد، إذن فالصوم ليس هو الجسد الجائع، بل الجسد الزاهد، وليس الصوم هو مجرد جوع الجسد، وإنما بالأكثر هو تسامى الجسد وطهارته، والصائم حينما يصلى لا يصلى فقط بجسد صائم، إنما أيضا بنفس صائمة، والصوم بهذا الشكل هو وسيلة صالحة للعمل الروحي، يحيا فيه الإنسان جميعه بقلبه ونفسه وروحه وفكره وحواسه وعواطفه في إرضاء الله وفى محبته، وتكون وصية الصوم لها تفسيرها الروحى السليم.الصوم ليس هو الجسد الجائع، بل الجسد الزاهد، وليس الصوم هو مجرد جوع الجسد، وإنما بالأكثر هو تسامى الجسد وطهارته