تحت عنوان «في محراب الفنون التشكيلية» أقام الفنان التشكيلي توفيق البناء ندوة الأسبوع الماضي بدعوة كريمة من الفنانة فريدة درويش في بيتها الكائن بمنطقة جرداب، وبحضور لفيف من الفنانين والأصدقاء والمهتمين بالفن التشكيلي. وكعادة البناء عندما يكون في حضرة الفن التشكيلي تذهب به الذاكرة إلى سنواته الأولى التي بدأ فيها عشقه ينمو بريشة حالمة وألوان تشده نحو حب الآخرين عبر لغة اللون والفرشاة والقلم الرصاص، وعبر ذاكرة احتفظت بشذى أعطر سنواتها التي عرف فيها بأنه وريشة اللون لا ينفصلان. وتوفيق البناء فنان رقيق الإحساس جميل الروح، فالذي يعرفه لا يمكنه الانشغال عنه، لأنه بحساسية ذات فن خاص يجرك نحو محبته ونحو قراءة أعماله بدقة، فألوانه تأخذ المتأمل لها نحو ذلك البيت الذي دارت في وسطه الرحى لتجعل من حبوب القمح زوادة للجائعين، وهذه الزوادة ظلت سنوات في عشقها مع البناء، الفنان الذي يرى أن اكتمال نبض قلبه مرتبط بحب الآخرين. وفي هذه الندوة، تطرق الفنان توفيق البناء إلى مشواره الفني منذ البدايات التي عرف فيها عشقه للوحة؛ أي وهو في سن الخامسة عشرة، وفي بداية سنواته المدرسية. ومنذ تلك اللحظات التي اشتعلت روحه بحب الفن التشكيلي واندماجه مع مجتمعه، كانت الريشة واللون سلوته المؤنسة وحكاياته التي لم ينضب حنينها، فكانت اللوحة والألوان رفيق حياته التي ظلت وفية له حتى وصوله إلى عمر اشتعل فيه الرأس بالبياض، فكانت اللوحة ذات تجلٍ نحو منعطفات لم يغفلها الحب ولم تغلق دونها نبضات توفيق البناء، لكون حكايته تصلبت في جذور انتمائها لتنحو نحو انصباب الماء في ذاكرة الحياة، شجرة مثمرة بالعطاء. ولعمر امتد إلى ما يقارب الثلاثين عامًا، كانت لمسيرة الفنان توفيق البناء أكثر من حكاية لنافذة حينما نطل منها نقرأ جد واجتهاد البناء الإنسان الشفيف العاشق لحكاية نبضه للوحة لا تموت ولا تتكاسل في سماوات مطرها لأنها واعدة بحب وظل لنخل سامق بعذوقه المتدلية بألوان بسرها بين اللون والثمر الشهي. فالحكاية صورة تتجلى في حسنها وبهائها وحينما كبرت هذه الصورة شكل عمر زمنها لتبني من خلال الرسم والتشكيل قضية ذات إيمان قضى فيها توفيق البناء عمرا طويلا تدرج في أولى عتباته وفي أول انطلاقة له من كراسي الدراسة حتى مرحلة عمرية وهو الضابط للسلامة في شركة «بابكو» قسم الحريق والصحة والسلامة يعمل بجد وتفان ملتصقًا بفنه الذي لم يبتعد عنه. تلك السنوات احتفظ فيها توفيق باجتهاده ومثابرته التي قل نظيرها، فذهب بعيدًا في انشغالات اللوحة، معانقًا ما للجمال من وهج متصل بالروح وما للواقع من انعكاسات سجلتها لوحته الفنية عبر سر هو المدرك به وهو المتيم بفيضه الحنون وعشقه المتصل بروحه التي ترف في تطورها بروح ساحرة منشغلة بالحلم من دون أن تتجاوز واقعها المنعكس على أعماله الفنية. وبعد انتهاء ما لحكاية توفيق البناء من سر بدأ بالحلم واكتمل بنمو هذا الحلم، لوحة أخذت الشيء الذي تستحقه وما زالت تلد الإبداع والتطور في مسيرتها. وبعد الندوة قام الفنان توفيق البناء بإهداء الفنانة فريدة درويش عملا من أعماله الفنية تحت عنوان: «شيفرة دافنشي» كانت ليلية دافئة استمتع بها الحضور عبر ما سرده الفنان من حكاية بداياته الأولى من الفن التشكيلي وكيف سارت سنوات حكايته مع الفن بأسلوب شيق تقبله المستمعون بالرضا والشكر والثناء.
مشاركة :