شغف الفنان التشكيلى يكمن دائما فى ما يُقدمه من أعمال تقوده نحو معرفة المزيد من المدارس الفنية ودراسة أنواع الفنون المُختلفة، وفنان الحلقة السابعة عشرة من «بورتريه» تدور حول شخص استطاع بإخلاصه الفنى أن يُسجل كأحد الفنانين العالميين بالموسوعة الفرنسية لاروس وهو فى التاسعة والثلاثين من عمره أى منذ عام ١٩٧٠، إنه الفنان العالمى عمر النجدي.وهب «النجدي» حياته إلى الفن منذ أن بدأ دراسته بكلية الفنون الجميلة بالقاهرة التى واصلها بدراسة أخرى كاملة بكلية الفنون التطبيقية ليحصل بذلك على البكالوريوس بأكبر كليات الفن فى مصر، وبالرغم من ذلك لم تنته رحلته التعليمية عند هذا الحد، فتمكن من الحصول على بعثة إلى الاتحاد السوفيتى –روسيا- ودرس فيها فن الخزف لمدة عام، وبعثة أخرى إلى هولندا لدراسة فن الجرافيك.لم يكتف عمر النجدى بهذا الكم من الدراسة، فكان شعوره دائمًا نحو رغبته فى دراسة ومعرفة المزيد يدفعه إلى التعمق فى الدراسة، فالتحق بأكاديمية الفنون الجميلة فى فينيسيا بإيطاليا، ثم اتجه نحو دراسة فن الموزاييك بأكاديمية فى إيطاليا أيضًا، وما لبث أن انتهى من كل هذه الدراسة، حتى اتجه فورًا نحو دراسة النقد الفنى أيضًا وحصل على دبلوم فيه من معهد راسكن بإيطاليا.لم ينته الفنان العالمى من الدراسة بالرغم من كل ذلك، فأحب أن يُلم بكل الأقسام والفروع الفنية، فاتجه من جديد نحو دراسة فن التصوير الجدارى بأكاديمية فينيسيا فى إيطاليا، كما أنه لم يغفل دراساته العليا فحصل على الدكتوراه التى قام بمُعادلتها بالمجلس الأعلى للجامعات المصرية وهو فى السادسة والأربعين من عمره، فكان يُمثل النجدى حالة خاصة أو عالما خاصا للفن التشكيلي.وبالتوازى مع كل هذه الدراسات، عُين «النجدي» معيدًا بكلية الفنون التطبيقية فور تخرجه فيها، وتدرج فيها واهتم بدراساته حتى أصبح رئيسًا لقسم التصميم الداخلى والأثاث بالكلية نفسها، وبعد ذلك لم يُغلق الفنان أبوابه على التدريس والدراسة فقط، فانضم كعضو لجنة البرامج بالتليفزيون المصرى ثم مدير عام للخدمات الإنتاجية بالتليفزيون المصري، هذا بالإضافة إلى إخراجه لبرنامج تشكيلى بعنوان «الفن وحياتنا» على التليفزيون المصري.خبرة الفنان عمر النجدى التى ذاعت حول العالم كله، جذبت أنظار الجامعات الأخرى نحو انتدابه، فبعد حصوله على الدكتوراه بسنوات قليلة تمت إعارته بكلية التربية فى جامعة الملك سعود بمدينة الرياض فى السعودية، ليعود مرة أخرى إلى كليته الأم الفنون التطبيقية ليعمل أستاذًا ورئيسًا لقسم الأثاث، ثم أستاذا متفرغا حتى نهاية أيامه.بالتعمق فى حياة «النجدي»، نجد أنه قد وُهب بمشاعر وحس فنى كبير لم يقتصر فقط على الفن التشكيلى بكل أقسامه وفروعه، بل ضم أيضًا الفنون الموسيقية، فقام بتلحين وإخراج العديد من الأغانى المُتنوعة بين العاطفية والدينية والوطنية والشعبية، هذا بالإضافة إلى اهتمامه بإخراج أغانى الأطفال وإخراج الأفلام التسجيلية حول حياة الفنانين التشكيليين.وقال عنه الفنان محمود شكري: «إن النحت والحفر والتصوير والديكور والموسيقى والغناء وغيرها، تمثل بعضًا من مواهب فنانا الكبير عمر النجدى العريضة النفاذة». وبعد رحلة طويلة من إثبات النجاح الفنى ومواصلته حتى آخر لحظة، فارق «النجدي» الحياة هذا العام ٢٠١٩ وذلك عن عمر ناهز الثمانية والثمانين، ولكن بالتأكيد سيظل اسمه خالدًا فى كل محاضرة فنية وفى كل عمل فني، لأنه يُمثل جزءا كبيرا من التاريخ الفنى الذى لا يموت بمرور السنوات.
مشاركة :