التعامل مع قضية البطالة والحملة المجتمعية التي حظيت باستجابة على أعلى المستويات (بدءًا من سمو رئيس الوزراء وسمو ولي العهد وسمو الشيخ ناصر ومجلس النواب) يعطينا أملا في أن ما يتطلبه العلاج من سياسات وإجراءات ولوائح سوف ترى النور. إن معالجة المشكلة تبدأ بالإقرار بوجودها وها قد اتفقت قيادات البلاد ومجلس النواب ووزارة العمل على ضرورة التصدي لهذه القضية. نستشعر من هذا الزخم والتصريحات الحثيثة من القيادة ومن التفاعل المجتمعي لرفض البطالة أن الوزارة والجهات الأخرى سوف تولي هذا الملف الاهتمام الكافي ووضع العلاج له. في اللقاء بين وزير العمل ورئيس مجلس إدارة تمكين الشيخ محمد بن عيسى اتفق الطرفان على «زيادة وتعزيز أولوية توظيف الكوادر الوطنية في منشآت القطاع الخاص، ووضع خطة للإسراع في توظيف العاطلين الجامعيين تكفل تأهيلهم وسرعة إدماجهم في سوق العمل، وخاصة ذوي التخصصات الجامعية التي لا تتواءم مع متطلبات سوق العمل واحتياجاته». هذه خطوة مهمة وضرورة ملحة، غير أنها تحتاج أولا إلى تحديد حجم مشكلة البطالة بواقعية وشفافية من دون شعور بأن هناك تقصيرا من الوزارة. الوزارة عملت الكثير من أجل البحرينيين ولا أعتقد أن أحدا يلومها على الوضع ومن ثم فإن الإفصاح عن حجم البطالة بين الشباب سوف يضع المشكلة في إطارها السليم والواقعي. واستكمالا لمساعي وزارة العمل نرى أن وزارة الصحة كذلك تحركت وأعلن وكيل الوزارة فتح باب التوظيف في البرامج التدريبية التخصصية وهذه بادرة طيبة لكن لا ندري لماذا لم تتخذ من قبل؟ في 2013 تم تشكيل لجنة برلمانية برئاسة عباس الماضي لدراسة إعادة إطلاق المشروع الوطني لتوظيف الخريجين الجامعيين العاطلين عن العمل مع إعطاء أولوية لقدامى العاطلين. رفعت اللجنة تقريرها في شهر ديسمبر 2014 إلى معالي رئيس المجلس. تضمن التقرير ردود وزارة الصناعة ووزارة العمل والاتحاد العام لنقابات عمال البحرين. استند المشروع على الدستور في المادة 13/ب التي تنص على «التزام الدولة بتوفير فرص عمل للمواطنين وعدالة شروطه». وعلل الاقتراح السبب في الخلل في خطط البحرنة وبرامج إصلاح سوق العمل، كما وقعت حكومة البحرين (وزارة العمل، وغرفة التجارة والنقابة) مع منظمة العمل الدولية في 2010 وثيقة العمل اللائق الذي بموجبه يتم تدريب وتشغيل وخلق فرص عمل للشباب. لكن، إلى عام 2014 لم يُفعل هذا الالتزام مع أنه احتوى على الكثير من المقترحات المهمة قدمها الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين. هذا يعني أن مشكلة بطالة الشباب الجامعي وغير الجامعي ليست مشكلة جديدة أو أنها من نسج بعض المتحمسين من الكتاب والمغردين. المشكلة حقيقية وقديمة وتحتاج إلى علاج. السؤال الآن ما الخيارات أمامنا لعلاج المشكلة؟ يرى مجلس التنمية الاقتصادية أن البحرنة سوف تؤثر على الاستثمار. هل التأثير بسبب ضعف العمالة البحرينية أم بسبب ارتفاع كلفتها؟ لكن مجلس الشورى لا يتفق على أن هناك علاقة سببية بين البحرنة وبين جذب الاستثمارات. إذن أين المشكلة؟ ولماذا لا يتم طرحها للنقاش وإعلان تفاصيل التأثير على الاستثمار؟ يرى مجلس النواب (النائب ممدوح الصالح) ضرورة مراجعة شاملة للسياسات والقرارات التي تعنى بسوق العمل قبل إصدار أي قانون نيابي، هذا على المدى البعيد. ماذا عن الوقت الحالي؟ يوضح وزير العمل أن الوزارة تقوم بتنظيم معارض توظيف وتقوم بالمواءمة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل، لكن الجميع يدرك أن المواءمة هذه لم تتحقق بعد ثلاثة عقود من الزمن؟ فما المشكلة وأين؟ في الاتفاق بين وزير العمل ورئيس مجلس إدارة تمكين تم الاتفاق على وضع خطة للإسراع في توظيف العاطلين الجامعيين تكفل تأهيلهم وسرعة إدماجهم في سوق العمل، وخاصة الجامعيين الذين لا تتواءم تخصصاتهم مع متطلبات سوق العمل، وتكليف وزارة العمل والتنمية الاجتماعية بإعداد هذه الخطة بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة والاختصاص. لكن هذا العدد يتزايد ففي عام 2014 كان العدد عشرة آلاف باحث عن عمل فما الرقم اليوم؟ نحن نتكلم فقط عن العاطلين من الجامعيين، فماذا عن العاطلين من غير الجامعيين وهل هم أكثر أم أقل؟ في 2013 تبين المذكرة الإيضاحية لمقترح توظيف الجامعيين المرفوعة من مجلس النواب أنه في كل 100 عاطل يوجد 30 جامعيا. فما النسبة اليوم؟ هل هذا يعني أن أعداد العاطلين من غير الجامعيين أكبر؟ من ذلك تتضح ضرورة المراجعة وإعادة النظر في الرؤية والسياسات والإجراءات والبرامج على جميع المستويات، وقد تم تكليف وزارة العمل بهذه المراجعة. من حيث التدريب فإن أحد المقترحات التي ينبغي النظر إليها بجدية هي التدريب الموجه والمكثف لمهن محددة. البحرين لديها تجربة ناجحة وهي التدريب المهني (الابرنتس) في شركة نفط البحرين (بابكو)، لماذا لا يعاد إحياؤه ونشره بين الشركات الكبرى التي تملكها الحكومة أو تملك 50% منها؟ هذا لا يحتاج إلى تشريع، فهو يدخل ضمن سياسات الحكومة ويمكن تنفيذه في مدة قصيرة نسبيا. أهمية هذا النوع من التدريب هو التصاقه بالجانب العملي وبعمل الشركة مباشرة. وأخيرا فإن الهدف من الاستثمار والتنمية الاقتصادية يمكن أن يلخص في أربعة أهداف رئيسية هي تحقيق النمو الاقتصادي، وخفض معدل البطالة، والسيطرة على التضخم، وتوازن الميزان التجاري؛ أي أن خلق فرص عمل هو من صميم عمل مجلس التنمية الاقتصادية وليس الهدف هو جذب الاستثمار الذي يخلق فرصا للأجانب. ينبغي ألا ننسى أن الغاية هي رفاهية المواطن وازدهار الوطن. لذلك نهيب بالمجلس إعادة النظر في توجهاته في الحرية الاقتصادية المؤدلجة التي تؤثر على الاقتصاد البحريني وقد تخلق حالة من عدم الاستقرار قد لا تجدي معها الاستثمارات الأجنبية. mkuwiaiti@batelco.com.bh
مشاركة :